الوثيقة
الرأي الحر

الدكتور الهلالي ومسلسل الفتاوى الشاذة

الاستاذ الدكتور أحمد محمد لطفي
الاستاذ الدكتور أحمد محمد لطفي

استمعت كما استمع الكثيرون إلى مداخلة الدكتور سعد هلالي مع الإعلامي عمرو أديب، والتي أدلى فيها بدلوه في مسألة حكم الصوم لمن يخاف على نفسه من كورونا، وفي الحقيقة ترددت كثيرا قبل أن أكتب تعليقا على ما قاله الدكتور الهلالي، وما دفعني إلى القيام بذلك هو أن الساكت عن الحق شيطان أخرس.
الدكتور الهلالي أجاز للمسلم الفطر لمجرد الخوف، واستدل بأدلة واهية لا ترقى من حيث الأساس إلى مرتبة الدليل.
ويمكنني الرد عليه في جملة نقاط، أوجزها فيما يلي:
أولا:
اعتمد الدكتور الهلالي في إباحة الفطر على مجرد خوف المسلم من كورونا، ضاربًا عرض الحائط بقول الأطباء، حيث قال صراحة: يفطر حتى ولو قال له الأطباء غير ذلك، لأن الأمر متعلق به.
وأنا أقول: أما تعلم يا دكتور أن الأحكام معللة، وأن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما، وقد تعلمنا من أساتذتنا في علم الأصول أن من شرائط العلة أن تكون منضبطة، فكيف نضبط الخوف على اعتبار أنه علة من وجهة نظرك، فمجرد الخوف ليس علة، وإلا لو فتحنا هذا المجال لم نستطع أن نمنع أحدا من الفطر، فللخوف مظاهر وأشكال، القول بذلك يؤدي إلى هدم ثوابت الإسلام، فبناء على قولك: يجوز لمن خاف أن يضعف جسمه من الصوم أن يفطر، وغير ذلك كثير وكثير.
وأمر آخر: كيف تضرب بقول الأطباء عرض الحائط، ألم نتعلم منكم أن المفتي لا يجوز أن يصدر الحكم في أي مسألة إلا إذا رجعنا إلى أهل الخبرة، فالمسائل الطبية يسأل فيها الأطباء، والمسائل الاقتصادية يسأل فيها الاقتصاديين، والمسائل المتعلقة بزراعة الأرض وحراثتها يسأل فيها الفلاح، ثم بعد بعد ذلك نصدر حكمنا بناء على قولهم، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره، إن إلغاء قول الأطباء في مسألتنا هذه يعارض نص القرآن الكريم والذي يقول فيه ربنا " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".
ثانيًا:
قام الدكتور الهلالي بقياس صوم الخائف على مسألة الوسوسة في الصلاة، ويريد بذلك حديث : إذا شك أحدكم في صلاته ................ إلخ، وهو قياس فاسد لا يصلح الاحتجاج به، فبين المسألتين فارق كبير، فالمسألة حكمها واضح لا يحتاج إلى قياس، إضافة إلى أن الوسوسة في الصلاة من باب الشك، وفتواك من باب الخوف، وبين الخوف والشك بون شاسع.
ثالثا:
يرى الهلالي أن الفطر لمجرد الخوف رخصة، والله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، وهي كلمة حق أريد بها باطل، فالعمل بالرخص أمر محمود في شريعتنا، حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن للعمل بالرخصة شروط ذكرها علماء أصول الفقه، وكلها غير متوفرة هنا، أين المشقة التي توجب العمل بالرخص في هذه المسألة.
رابعًا:
الدكتور الهلالي يناقض نفسه تناقضًا غريبا، ولعل هذا من التلبيس على الناس، أو أن الله أراد فضح نواياه، ففي بداية كلامه يقول: يفطر إذا خاف ولا ينظر إلى قول الأطباء، ثم بعد ذلك يقول: إن هناك رأي يقول لا يفطر إلا إذا تأكد من الضرر، والتأكد يكون بقول الأطباء، وهذا تناقض يراه الأعمى قبل البصير.
خامسًا:
يبرر الدكتور الهلالي لفتواه بأن ذلك من باب الأخذ بالتعددية الفقهية، وأنا أقول له: التعددية الفقهية من كلامك براء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، فالتعددية الفقهية لها ضوابطها، والترجيح بين الآراء له أصوله التي صنفت فيها الكتب من علمائنا القدامى والمحدثين، فليس معنى التعددية أن تختار للناس على هواك، ولكن التعددية الفقهية أن تختار ما يتوافق مع الأصول العلمية المعروفة.
سادسًا:
الدكتور الهلالي يبرر لفتواه المضللة بالقياس على الحامل، فالحامل تخاف على جنينها وليس على نفسها، وبالتالي تفطر، فالخائف من الكورونا أولى، وأنا أقول: لو عاد الدكتور الهلالي إلى كتب الفقه لوجد أن الفقهاء قرنوا خوف الحامل على جنينها بخوفها على نفسها، فقالوا: إن خافت على نفسها أو جنينها، لأن الحامل هي الأخرى تتأثر بالحمل.
سابعا:
أوصي عموم المسلمين في شتى بقاع المعمورة أن لا يأخذوا دينهم في مثل هذه النوازل إلا من الجهات الرسمية، وهي الأزهر الشريف، لاسيما وأن الأزهر الشريف أدلى بدلوه في هذه المسألة وأعلن الأزهر ممثلا في شيخه للدنيا كلها بأنه بناء على قول الأطباء لا أثر لكورونا على الصيام، وأن الصيام واجب إلا إذا أثبت الأطباء وجود الضرر.

وأخيرا:
ماذا يريد الدكتور الهلالي من تلك الفتاوى المضللة، هل يريد بذلك الشهرة؟ أقول: لا، فهو قد أخذها والحمد لله لا يحتاجها، أم أن منهجه صار معروفا لدى الجميع أنه يبحث عن الآراء الشاذة، والأقوال الضعيفة ليخدم أغراضا معينة.
خلاصة القول: لا يجوز الفطر في رمضان بسبب الخوف من كورونا، ما لم يؤكد الأطباء أن في الصيام ضرر.

أسأل الله أن يردنا إلى دينه ردا جميلا.

* أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالدقهلية

سعد الدين الهلالي فتاوى شاذة الأزهر الصيام الوثيقة

الرأي الحر