استشاري: المعامل المركزية خط الدفاع الأول المجهول الذي يحمي المجتمع ويكشف الأوبئة
قال المهندس أحمد حامد، استشاري التحول الرقمي ومستشار عام النظم الأمنية بالجمعية المصرية للأمم المتحدة، إن المعامل المركزية التابعة لوزارة الصحة والسكان في مصر تُمثل إحدى أهم الركائز الفنية في المنظومة الصحية، ورغم ذلك لا يعرف كثير من المواطنين حجم الدور الحقيقي الذي تقوم به هذه المنشآت الدقيقة التي تعمل في صمت لحماية المجتمع.
وأوضح "حامد"، أن هذه المعامل تُعد المرجعية الوطنية الأولى للفحوص الطبية والبيئية، والمسؤولة عن إجراء التحاليل المعقدة المرتبطة بالأمراض المعدية والفيروسية وتحاليل السموم والمخدرات، إضافة إلى تحليل المياه والأغذية للتأكد من سلامتها، وقد أصبحت هذه المهام جزءًا أساسيًا من منظومة حماية الصحة العامة، حيث تمثل خط الدفاع الأول في مواجهة أي تهديد صحي سواء كان وباءً محتملاً أو تلوثًا غذائيًا أو انتشارًا غير معتاد لأحد الأمراض.
وأشار إلى أن مشروع مجمع المعامل المركزية بمدينة بدر يأتي ضمن خطة الدولة لتطوير قدرات القطاع الصحي، حيث يجري تجهيز هذا المجمع وفق معايير حديثة وبنية متطورة تسمح بتوسيع نطاق الخدمات المعملية وتعزيز دقة وسرعة الفحوص، ووفق التصريحات الرسمية، يجري العمل على إدخال تجهيزات ونظم تشغيل أكثر تقدمًا داخل المعامل، تشمل التشغيل الآلي لمراحل العمل المختلفة، واعتماد أنظمة ترقيم وتتبّع دقيقة للعينات باستخدام أحدث أساليب التنظيم المعملي، بما يرفع كفاءة الأداء ويُقلل من نسبة الخطأ البشري، وهذا التحديث يعكس توجهًا واضحًا لرفع جاهزية منظومة التحاليل بما يتماشى مع المعايير العلمية الحديثة.
وأضاف أن انتشار فروع المعامل المركزية في المحافظات يُعزز من قدرة الدولة على تقديم خدمة عادلة للمواطنين في مختلف المناطق، حيث يحصل المواطن في أي محافظة على خدمة معملية بنفس مستوى الجودة المتوفر في المراكز الرئيسية، كما يتيح وجود شبكة مترابطة من المعامل إمكانية تتبع الحالة الصحية على مستوى الجمهورية بصورة دقيقة، مما يُساعد على رصد أي تغير غير طبيعي في البيانات الصحية واتخاذ إجراءات سريعة عند الحاجة، مؤكدًا أن هذا الربط بين الفروع ليس مجرد تحديث إداري، بل خطوة جوهرية للانتقال إلى منظومة تعتمد على سرعة اكتشاف المخاطر الصحية قبل تفاقمها.
ولفت إلى أن التحول الرقمي يُمثل محورًا أساسيًا لتطوير أداء المعامل المركزية، حيث يُسهم في بناء أدوات حديثة قادرة على إدارة حجم ضخم من البيانات وتحويلها إلى معلومات قابلة للاستخدام في صنع القرار، وتشمل هذه الأدوات إنشاء نظام تتبع إلكتروني كامل لمسار العينة من بداية الاستلام حتى استخراج النتيجة، وإنشاء منصة موحدة لبيانات التحاليل تتيح متابعة المؤشرات الصحية لحظة بلحظة على مستوى الدولة، إضافة إلى لوحات متابعة تفاعلية تساعد المسؤولين في الاسترشاد بالبيانات الدقيقة عند اتخاذ القرارات، ونظم تحليل قادرة على مقارنة النتائج الحالية بالبيانات التاريخية لاكتشاف الأنماط غير الاعتيادية التي قد تُشير إلى بدايات انتشار مرض معين، كما يدعم التحول الرقمي تطوير خدمات أخرى مثل الحجز الإلكتروني واستلام النتائج عبر بوابة أو رسالة قصيرة، مما يُسهل على المواطنين ويُقلل من الضغط على الفروع.
وأشار إلى أن ربط المحافظات بمركز بيانات رئيسي يُسهم في بناء صورة صحية موحدة للدولة، ويؤدي إلى فهم أعمق للأنماط الوبائية، وتحديد النقاط التي تحتاج إلى تدخل سريع، كما أن تجهيز سيارات معامل متنقلة مرتبطة بالنظام المركزي في الزمن الفعلي يمكن أن يوسع نطاق الخدمة ليشمل المناطق النائية والطارئة، ويسمح بالتحرك الفوري عند حدوث أي واقعة صحية تتطلب تدخلًا سريعًا.
ونوه بأن الأمن المعلوماتي يُمثل عنصرًا أساسيًا في عملية التطوير، حيث تتضمن منظومة التحاليل بيانات حساسة تتطلب أعلى درجات التأمين، الأمر الذي يستوجب تطبيق معايير واضحة لحماية الخصوصية وتأمين شبكات الربط بين المحافظات والمركز الرئيسي وضمان سلامة قواعد البيانات ومنع أي اختراقات قد تؤثر على كفاءة الخدمة الصحية.
واختتم بأن المعامل المركزية تملك بالفعل القدرة على حماية ملايين المواطنين، لكنها بحاجة إلى استكمال الرؤية التي تجعلها القلب النابض لمنظومة الرصد الصحي في مصر، وعندما يكتمل تشغيل المجمع الجديد بمدينة بدر وفق معايير حديثة، وتتصل الفروع بشبكة موحدة، ستتحول هذه المنظومة إلى مركز إنذار مبكر قادر على كشف المخاطر قبل ظهورها، واتخاذ الإجراءات الوقائية قبل أن تتحول المشكلة إلى أزمة، وهذه هي النقلة التي يمكن أن تنقل مصر من مرحلة التعامل مع المرض إلى مرحلة منع المرض، وهو التحول الذي سينعكس مباشرة على صحة المواطنين وجودة الخدمات الصحية في الدولة.
































