الوثيقة
تحقيقات وتقارير

نافذة على التاريخ.. تل الكاشف قرية بدمياط سميت الدقهلية على اسمها القديم

تعبيرية
تعبيرية

البحث في تاريخ البلدان يحتاج صبرا كثيرا وموضوعية للوصول إلى أعماقه وفهم تفاصيله التي تعبر عن حقائق تستعصي على التزوير والتلفيق، وتاريخ الدلتا زاخر بالحقائق والثوابت المدونة في بطون الكتب تكشف الكثير والكثير ومن بينها حكاية قرية تل الكاشف التي كانت يوما ما غنية بالآثار التي تعرضت للنهب إلى أن تلاشت لكن المدونات العلمية تظل شاهدة على تاريخ تل الكاشف التي كانت تسمى قديما كورة دقهلة والتي كانت عاصمة لواحد من أكبر الأقاليم المصرية في عدد من العصور القديمة، ومنها ما ورد في صبح الأعشى في صناعة الإنشا:

السادسة- (كورة دقهلة)
ودقهلة بفتح الدال المهملة والقاف وسكون الهاء وفتح اللام وهاء في الآخر، وهي مدينة قديمة
بالجزيرة بين فرقة النيل المارّة إلى دمياط والفرقة التي تصب ببحيرة تنّيس،
وإليها ينسب عمل الدقهلية، وهي الآن قرية من عمل أشموم الآتي ذكرها في
الأعمال المستقرّة، وإن كان العمل في الأصل منسوبا إليها.

المرجع :صبح الأعشى فى صناعة الإنشا .
 

دَقَهْلَة (تل الكاشف حاليا)
يقول ابن زولاق (306هجرية_387)فى كتابه تاريخ مصر وأخباره _طبعة مكتبة الاسرة ص: 83 ( باب ذكر كور مصر ومافى كل كورة )وابن ظهيرة (توفى 888 هجرية_محمد بن محمد القدس) فى كتابه الفضائل الباهرة فى محاسن مصر والقاهرة" أن دقهله كانت كورة قائمة
بذاتها وكان يعمل فيها القرطاس (الورق المصنوع من نبات البردى) والطومار (الصحيفة الكبيرة)الذي يحمل منه إلى أقاصى بلاد الإسلام
والكفر" ، وهذا يدل على أن دقهله كانت إحدى المراكز الهامة في مصر
الإسلامية لصناعة البردي وأن صناعتها في هذا المجال كانت ذات جودة عالية
أهلتها لكي تكون من بين صادرات مصر الهامة في هذا العصر.

أما عن دقهله(تل الكاشف حاليا) نفسها فقد ورد في كتاب فتوح البلدان للبلاذري أحمد بن يحى (232-247هـ)أنه " لما
فتح عمرو بن العاص الفسطاط وجه عمير بن وهب الجمحى إلى تنيس ودمياط وتونة
ودميرة وشطا ودقهله فغلب على أرضها وصالح أهل قراها على مثل حكم الفسطاط"

وقد ذكرها ابن مماتي (الأسعد بن مماتى_ولد 544 هجرية _1149 ميلادية وتوفى 606 هجرية _كان رئيس ديوان الجيش والمال فى عهد صلاح الدين الأيوبى) فى كتابه (قوانيين الدواوين ) طبعة مكتبة مدبولى الطبعة الاولى 1991 _الباب الثالث .ص 90 دقهله(تل الكاشف حاليا) من أعمال الدقهلية

أما ياقوت الحموي :شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي (574 - 626 هـ)
في معجم البلدان قال " دقهله بلدة على شعبة – فرع – من النيل بينها
وبين دمياط أربعة فراسخ وبينها وبين دميرة ستة فراسخ ذات سوق وعمارة ويضاف إليها كورة فيقال كورة
دقهله".
 

أما ابن دقماق ( 750 - 809 ه‍ / 1349 - 1407 م ) قال " سرو وبججا ودقهله من الأعمال
الدقهلية والمرتاحية وأنهم إقطاع لجماعة من المماليك السلطانية"

وعن التطور الإداري لدقهلة " كانت دقهلة قاعدة كورة الدقهلية من أول الفتح
العربي وإستمرت قاعدة لإقليم الدقهلية الى سنة 715هـ/1315م التي عمل فيها
الروك الناصرى نسبة إلى " الناصر محمد بن قلاون "فضم إقليم الدقهلية الى إقليم المرتاحية وصار إقليماً واحداً
بإسم أعمال الدقهلية والمرتاحية. وفي تلك السنة نقلت القاعدة من دقهلة إلى
أشموم طناح (أشمون الرمان حاليا _مركز دكرنس )لتوسطها بين الإقليمين ثم نقلت العاصمة من أشمون الرمان فى عهد سليمان الخادم والى مصرإلى المنصورة سنة933 هـ ، 1527 م تلك المدينة التى بناها الملك الكامل ناصر الدين محمد بن الملك العادل أبى بكر بن أيوب في سنة 616 هجرية
وقرية دقهلة تسمى حالياً بإسم عزبة الكاشف وتتبع مركز الزرقا بمحافظة دمياط.
المرجع
:- محمد احمد عبد اللطيف : المدن والقرى المصرية فى البرديات العربية ،
المعهد العلمى الفرنسى للآثار الشرقية بالقاهرة ، 2012م ، ص65

قسم العرب بعد فتح مصر أرض الدلتا إلى قسمين هما : الحوف والريف وكان الحوف يشمل الأراضي الواقعة شرق فرع دمياط من عين شمس
إلى دمياط وكان الريف عبارة عن بقية أراضى الدلتا إلى الإسكندرية. وجعل
العرب مراكز الحوف 14 كورة والريف 31 كورة وكانت الكورة تعادل في مساحتها
المركز في الوقت الحاضر. ثم عدل هذا التقسيم في القرن الثالث الهجري وصارت
أراضى الدلتا أقسام هي الحوف الشرقي والحوف الغربي وبطن الريف ثم ألغى في
عهد الفاطميين واستبدل به تقسيم آخر كانت فيه مصر مقسمة إلى 22 إقليماً
منها 13 كورة (إقليم) بالوجه البحري ومنها: (المرتاحية- الشرقية – الدقهلية
– الأبوانية).
و المرتاحيه هو اسم أحد الأقاليم المصرية بالوجه
البحري في العهد العربي وكان يقال له كورة المرتاحية، وكان إقليم المرتاحية
واقعاً في المنطقة التى تشمل اليوم بلاد مركزي المنصورة وأجا وكان يجاوره
من الناحية الشمالية إقليم الدقهلية الذي كان في تلك الوقت واقعاً في

المنطقة التى تضم اليوم بلاد مراكز فارسكور ودكرنس ومنية النصر والمنزلة.
ومن أهم قرى إقليم الدقهلية في ذلك الوقت “دقهلة” وهى من القرى القديمة

وورد ذكرها في كتاب " المسالك والممالك " ( لابن خردازبة ) باسم كورة دقهلة
وإليها ينسب إقليم الدقهلية من وقت الفتح العربي لمصر وكانت مساكن قرية
دقهلة القديمة واقعة شرق ترعة الشرقاوية ومكانها الآن يعرف باسم (عزبة
الكاشف )وبسبب ما أصاب مساكنها منتلف السباخ لها أنشأ سكانها قرية جديدة لهم باسم
دقهلة أيضا تقع إلى الشمال الغربي من دقهلة القديمة وعلى بعد كيلو متر واحد
منها. وأصبحت دقهلة قاعدة كورة الدقهلية من أول الفتح العربي واستمرت
قاعدة لإقليم الدقهلية إلى إقليم المرتاحية وصار إقليماً واحداً باسم
“أعمال الدقهلية والمرتاحية” وفى تلك السنة نقلت القاعدة من دقهلة إلى
أشمون طناح ” أشمون الرمان” لتوسطها بين الإقليمين المذكورين.
و فى اوائل الحكم العثماني اختصر اسم هذا الإقليم
الذي يشمل الدقهلية والمرتاحية إلى اسم الدقهلية ونقلت القاعدة الى
المنصورة عام 1527م
.
المرجع :القاموس الجغرافى للبلدان المصرية _محمد رمزى كاظم _الهيئة العامة للكتاب

أما عن الاسم الحالى تل الكاشف فربما يعود إلى أواخر عهد المماليك وبداية حكم العثمانييين الذى قسم مصر إداريا إلى ماكان يعرف بالكاشفيات جمع كلمة كاشف وتعنى مقر حكم وزير الداخلية
وهي كلمة مأخوذة من الفعل كشف في العربية , لان في وظيفة الكشاف ان يكتشفوا احوال المديريات

, وكانت الكشوفية ( الكاشفية ) عبارة عن وحدة ادارية مالية علي رأسها احدي البكوات المماليك برتبة كاشف له حق الاشراف علي مجموعة من المقاطعات التي تقع داخل حدود الكاشفية , ولم تثبت حدود الكاشفيات علي وضع ثابت , فكثيرا ما تحولت بعض الولايات الي كاشفيات مثل , المنصورة واسيوط والجيزة والفيوم واحيانا كان يفصل جزء من ولاية ليكون وحدة ادارية قائمة بذاتها , مثل فارسكور التي فصلت عن ولاية البحيرة في عام 977 ه /1570 م بقصد اخراجها من حوزة القبائل العربية المسيطرة . وكانت مهمتهم تنحصر في الاشراف علي جسور النيل وصيانتها والاشراف علي جمع الضرائب والاموال في كشوفياتهم وارسالها الي الخزينة العامة بالقاهرة . والاشراف علي الامن وحماية القري من البدو .

أصل الإسم

وقيل : وقد كانت قرية دقهلة القديمة - تل الكاشف حاليا ً - مركزا ً حضاريا فى الوجه البحرى أيام الدولة الفاطمية واشتق اسم دقهلة من ( دق الطبول للأهلة ) الذى كان يحدث عند دخول شهر رمضان والأعياد

وقد ذكر الأثرى" الفرنسى أميلينو _ Amélineau " إسمها القبطى ( TKEHLI ) فى كتابه معجم البلاد المصرية فى العصر المسيحى المعروف ب " جغرافية مصر فى العهد القبطى
"La Géographie de L'Egypte à l'époque Copte Par E. Amélineau,

والكتاب طبع عن الهيئة المصرية العامة للكتاب _ ترجمة ميخائيل مكسى إسكندر
وله طبعة آخرى ترجمة حلمى عزيز مراجعة وتعليق محمد عبد الستار عثمان

و اسمها القبطى القديم ( TKEHLI ) تا كهلى بمعنى الأرض المستديرة لان مياه النيل كانت تحيطها قديما عن طريق فرعى دمياط والفرع التانيسى كما هو واضح بالخريطة فقد كانت عبارة عن جزيرة تحيطها ميان النيل من كل جانب

وقد حرف الاسم بعد الفتح الاسلامى وقلبت التاء الى دال فاصبحت( دقهلة).

مثل( دمياط ) :كان اسمها فى العصور الإغريقية والرومانية معروفة بإسم تامياتس كما كانت تعرف عند قدماء القبط قبل الفتح العربى بإسم ( تاميات و تامياتي ) .

وقيل : ( تميت-ن-بتاح-تنن ) أى مدينة الإله بتاح _ و هو الإسم المصرى القديم لدمياط ثم حرف الإسم وقلبت التاء الى دال وأصبح دمياط .

وإليكم خريطة صورة مصر لابن حوقل : محمد أبو القاسم بن حوقل (ت. 367 هـ/ 977 م) من كتابه صورة الأرض ويظهر بها اسم دقهلة ( تل الكاشف حاليا )فى شمال شرق الخريطة حيث يخرج أحد أفرع النيل القديمة (الفرع التانيسى )

تحقيقات وتقارير