مظهر أبوعايد يكتب: السياحة الداخلية بمصر عملاق اقتصادي مطلوب تفعيله


• 328 مليار جنيه مهدرة مقابل 114 مليار ريال مكاسب سعودية و55.6 مليار درهم عوائد للإمارت.
• 40 ألف رحلة مصرية مقابل819 مليون رحلة أمريكية و219 مليون رحلة كندية و55.6 مليون رحلة إماراتية و114 مليون رحلة سعودية.
السياحة الداخلية في مصر أحد من أهم الموارد الاقتصادية التي لا يتم استغلالها بالشكل الأمثل، رغم ما تمتلكه البلاد من مقومات طبيعية وتاريخية وثقافية فريدة تجعلها وجهة سياحية جذابة للمواطنين. السياحة الداخلية هي حركة الأفراد داخل حدود الدولة نفسها لزيارة مناطق سياحية متنوعة سواء لأغراض الترفيه، الاستجمام، أو الثقافة، وتختلف عن السياحة الخارجية التي تشمل السفر إلى دول أخرى. تُعتبر أداة مهمة لتعزيز الاقتصاد المحلي، ورفع الناتج القومي، وتوفير فرص عمل متنوعة، وتنشيط الاقتصاد في مختلف المحافظات.
تعتمد السياحة الداخلية على مجموعة من الأدوات الأساسية التي تساهم في نجاحها، من أبرزها البنية التحتية التي تشمل الطرق والفنادق والمواصلات والمطاعم، والتسويق والترويج عبر الحملات الإعلانية والمعارض ووسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب التنظيم والإدارة من خلال الهيئات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وكذلك التكنولوجيا الحديثة التي تشمل المواقع الإلكترونية والتطبيقات ووسائل الحجز الرقمي، والتي تلعب دورًا متزايد الأهمية في جذب المواطنين وتشجيعهم على السفر داخل البلاد.
بلغ إنفاق الزوار المحليين في مصر أكثر من 328.5 مليار جنيه مصري في عام 2023، مع معدل نمو سنوي يقارب 9%، وفي عام 2024 ارتفع إجمالي الإنفاق إلى حوالي 450 مليار جنيه مصري بزيادة قدرها 32% مقارنة بمستويات ما قبل جائحة كورونا، وهو ما يعكس الإمكانات الكبيرة غير المستغلة في هذا القطاع. وتُسهم السياحة الداخلية في رفع الناتج المحلي الإجمالي المصري، وخلق آلاف فرص العمل في مجالات النقل والضيافة والإرشاد السياحي والخدمات المساندة، كما تعزز التنمية الاقتصادية المحلية في المدن والقرى السياحية، وتزيد دخل الأسر.
رغم هذه الإمكانات، تواجه السياحة الداخلية في مصر مجموعة من المشكلات والمعوقات، أبرزها قلة الترويج والتسويق للمقاصد المحلية وضعف الحملات الإعلامية، بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية في بعض المناطق السياحية التي تفتقر إلى الخدمات الأساسية، إلى جانب الوعي المحدود بأهمية السياحة الداخلية بين المواطنين، واعتماد الحركة السياحية على فترات موسمية محددة مثل الأعياد والعطلات الصيفية، مما يحد من نمو القطاع بشكل مستمر.
لتنمية السياحة الداخلية يمكن اتباع عدة خطوات فعالة، منها تحسين الحملات الترويجية والإعلانية لتعريف المواطنين بالمقاصد السياحية المحلية، تطوير البنية التحتية من طرق وفنادق ومرافق عامة لتسهيل الحركة السياحية، وتشجيع التعاون بين القطاعين العام والخاص للاستثمار في السياحة الداخلية، إضافة إلى تدريب العاملين في القطاع السياحي على تقديم خدمات عالية الجودة، وتنظيم مهرجانات وفعاليات ثقافية وطبيعية على مدار العام لجذب مختلف الفئات.
عند مقارنة مصر بالدول الأخرى، يتضح حجم الفجوة والإمكانات غير المستغلة. ففي الولايات المتحدة بلغ عدد الرحلات الداخلية 819 مليون رحلة في عام 2023، وساهمت السياحة الداخلية بنسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي. أما في كندا فقد سجل الكنديون 219.2 مليون رحلة داخلية وأنفقوا نحو 58.8 مليار دولار كندي بما يعادل 1.74% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي الإمارات، استقطبت دبي وحدها ملايين الزوار سنويًا، وبلغ إنفاق السياحة الداخلية حوالي 55.6 مليار درهم في عام 2023، فيما ارتفع إنفاق السياح المحليين في السعودية إلى 114.4 مليار ريال بعد تطوير السياحة الداخلية ضمن رؤية 2030. وعلى صعيد الاتحاد الأوروبي، شكّلت الرحلات الداخلية 73% من إجمالي الرحلات السياحية و43% من الإنفاق السياحي في عام 2023، بينما تظل مصر منخفضة مقارنة بهذه الدول رغم الإمكانات الكبيرة.
لذلك، يوصى بزيادة التوعية بأهمية السياحة الداخلية من خلال حملات إعلامية متكاملة، وتحفيز الاستثمار في القطاع الداخلي عبر مشاريع القطاع الخاص، وتنمية الموارد البشرية بتدريب العاملين على مهارات السياحة والخدمات الحديثة، وتنويع المنتجات السياحية لتشمل عروضًا تناسب جميع الأعمار والاهتمامات، ما يسهم في زيادة حركة المواطنين داخليًا، ورفع مساهمة السياحة الداخلية في الاقتصاد الوطني.
تمثل السياحة الداخلية في مصر كنزًا مهملًا، يمتلك القدرة على تعزيز الاقتصاد الوطني، وتوفير فرص عمل، وتنشيط المناطق المحلية. الاستثمار الفعال في هذا القطاع سيجعل مصر منافسًا قويًا على مستوى السياحة الإقليمية والعالمية، ويزيد مساهمة المواطن في دعم الاقتصاد الوطني من خلال استكشاف كنوز بلاده، ويعكس صورة حضارية لمصر كمقصد سياحي شامل يجمع بين التاريخ والثقافة والطبيعة الخلابة.