دكتورة دينا المصري تكتب: جمال بلا روح


كل مرة بتفتحي الكاميرا بفيلتر…
كل مرة بتلفي وشك زاوية معينة عشان تبيني “أجمل” من الحقيقة…
كل مرة بتقعدي على الكرسي في العيادة عشان إبرة نفخ أو حقنة شد أو سيليكون يتزرع…
كل مرة بتنزلي صورة عريانة من الحياء، متزوقة بالتقليد…
إنتي مش بتجمّلي نفسك… إنتي بتزوّري نفسك.
إنتي مش بتزودي جمالك… إنتي بتخصمي من عمرك، من ملامحك، من هيبتك، من نفسك.
الوش اللي بتنفخي فيه النهاردة… بكرة هيوقع.
الخد اللي بتشديه النهاردة… بعد شوية هيتدلّى أسرع من سنك.
الشفايف اللي عاملة فيها “مغرية” النهاردة… بعد سنتين هتبقى مشدودة كأنك ماسكة حبل.
والفلوس اللي بتروحي ترجعي بيها من العيادة… هتتبخر أسرع من الفيلر نفسه.
أيوه… وشك له تاريخ صلاحية.
الجمال الصناعي له مدة استخدام…
وبعدها بينقلب على صاحبه.
عارفة إيه بيحصل لما توقفِ الحقن؟
الملامح بتنهار زي مبنى من غير أعمدة.
الجلد بيتدلّى، الملامح بتتشوه، الوش بيبقى مش انتي… ولا حتى نصك.
الزمن بيمسك الفاتورة ويقولك: “ادفعي”.
وانتي هناك… بتشيلي حواجبك من غير رحمة.
تروحي تعملي Microblading، وبعد شوية Powder Brows، وبعدين Ombre.
ترسمي خطوط على وشك كأنك لوحة في محل تجميل…
بس نسيتِ إن ربنا خلقك بتفاصيلك دي عشان تبقي “إنتي” مش نسخة من غيرك.
وما تنسيش الشرع:
«لَعَنَ اللهُ النامصةَ والمتنمصةَ»
(رواه صحيح البخاري – حديث صحيح)
يعني مش بس بتلعبي في وشك… إنتي بتلعبي في حسابك.
اللي بتشيلي حواجبك، واللي بتنفخي شفايفك، واللي بتعرّي جسمك… كلها أفعال بتقول: “أنا مش راضية عن نفسي.”
بس بدل ما تواجهي الحقيقة… بتزوقي الكذبة.
و مش بتعملي بس فيلر وبوتوكس… لا.
إنتي بتعملي مسرح كامل، كل حركة فيه محسوبة:
و Contour عشان تنحتي ملامحك اللي مش عاجباكي… عشان تهربي من ملامحك الأصلية.
و Highlight عشان تباني مضيّاه حتى لو روحك مطفية.
و Foundation عشان تمسحي كل عيب في جلدك… كأنك بتمسحيك إنتي.
و Lashes & Extensions عشان تضيفي نظرة مش بتاعتك… نظرة مصطنعة علشان تفتني بيها غيرك.
و Lip liner & Filler عشان تفتحي شفايفك على مقاس التريند… مش على مقاسك.
و Laminated Brows / Microblading عشان تدي شكل حواجب محدش خلقه لك… كأنك مش راضية بالشكل اللي ربنا خلقك عليه.
و بعدين نخش على المسرح الأكبر: “الجسم” ⛔
اللي بتلعبي فيه بكل تفصيلة:
الخصر: بالكورسيه والفوتوشوب وزوايا التصوير… علشان يبان أرفع من طبيعته.
الأرداف والصدر: Push-up + نفخ + Tight dress + فلترة… علشان تخلقي “أنوثة مصطنعة” تفتن أكتر.
الرجلين: Smooth filter + شد + tanning مصطنع… علشان تحولي جسمك لشاشة إعلان.
الطول: كعب عالي + زوايا تصوير + فلترة… علشان تكوني شبه الموديلز اللي عمرك ما هتبقي زيهم.
وبعدين تنزّلي الصورة… تكتبي تحتها: “أنا بحب نفسي زي ما أنا ????✨”
بس انتي لا بتحبي نفسك… ولا حتى بتعرفي نفسك.
إنتي بتحبي النسخة المزيفة اللي بتصنعيها…
بتحبي الانبهار اللي بيحصل في الكومنتات، مش انعكاسك في المراية.
بتحبي تصديق الناس… مش نفسك.
وما ننساش الألعاب السامة:
زي Face filters تغيّر شكل عضم وشك.
و زي Photoshop و FaceTune تشيل التجاعيد، تصغّر المناخير، تكبّر العين.
إضاءة مدروسة، كاميرا من زاوية محسوبة علشان مايبقاش في غلطة واحدة.
لكن كل ده مش مجرد “محاولة تكوني جميلة”…
ده شهوة نفسية أعمق:
شهوة تثبيت الذات وسط ناس تانية.
شهوة القبول من غير ما تتقبلي نفسك.
شهوة السيطرة على نظرات الآخرين.
شهوة الهروب من فكرة إنك عادية.
إنتي بتدوّري على حب من بره… عشان تهربي من فراغ جوه.
بتحبي تبقي “مبهرة”… علشان محدش يقرب من ألمك.
بتلمعي الصورة… علشان تغطي على الهشاشة.
انتي مش مميزة… انتي متكررة.
اللي بتصوّر كل شبر من جسمها وتنزله…
اللي بتقضي يومها بين صالون وباديكير ومانيكير وضوافر أكليرك، تحسسك إن ضافرها أغلى من عقلها…
اللي شايفة إن كل لايك على صورة يعني إنها مرغوبة…
دي مش واثقة… دي جعانة تصديق.
الجمال الحقيقي مش على الكاميرا.
الجمال مش محتاج تنفيخ…
ولا حواجب مرسومة…
ولا لبس فاضح علشان الناس تفتكر إنها “مميزة”.
كل واحدة عاملة نفس الشفايف… نفس الحواجب… نفس الفلتر.
وشبه بعض… كأنكم قالب واحد.
جمال بلا روح… وجوه من غير معنى.
في النهاية؟
الزمن هيكسب.
الفلتر هيفك.
النفخ هيفضى.
وشك هيرجعلك… بس بعد ما تكوني خسرتيه.
وخسرتي معاه حاجات تانية كتير _ لكن _ أهم !!
الكاتبة والمحررة الإعلامية الدكتورة دينا المصري