دكتورة فاتن فتحي تكتب: ذكرى نصر اكتوبر المجيد نبراس يضي الطريق للمصريين ويلهم الأجيال الجديدة معاني الوطنية والفداء


في هذا اليوم المجيد السادس من أكتوبر من كل عام، تتجدد في قلوب المصريين مشاعر الفخر والعزة، ويعلو نبض الوطنية في كل بيت، احتفاءً بذكرى نصر أكتوبر المجيد، ذلك اليوم الذي أعاد لمصر كرامتها وهيبتها بعد سنوات من الانكسار، وأثبت للعالم بأسره أن إرادة الشعوب لا تُقهر، وأن المصري حين يعقد العزم يستطيع أن يصنع المعجزات.
جاء يوم السادس من أكتوبر عام 1973 ليكون يومًا تتوقف عنده عقارب الزمن فخرًا وإجلالًا.. ففي تمام الثانية ظهرًا، انطلقت موجات من الطائرات المصرية نحو مواقع العدو في سيناء، بينما كان أبطال المشاة يعبرون قناة السويس على زوارقهم الصغيرة، يواجهون النيران بقلوب لا تعرف الخوف،وفي ساعات قليلة، تحطم خط بارليف المنيع، وسقطت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، حيث صنع المصريون معجزة حقيقية عندما رفعوا علمهم فوق الضفة الشرقية، ليُعلنوا للعالم أن مصر استعادت كرامتها، وأن النصر لا يولد إلا من رحم الإصرار.
كانت تضحيات المصريين في حرب أكتوبر أسمى ما قُدم للوطن. آلاف الشهداء رووا بدمائهم أرض سيناء الطاهرة، ومئات الآلاف من الجنود واجهوا الموت بقلوب عامرة بالإيمان.. لقد كان الشعب كله جيشًا خلف الجيش، ووقف الجميع صفًا واحدًا، يدركون أن الوطن لا يُسترد إلا بالتضحية، وأن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع بثمن غالٍ.
لم يكن النصر العسكري نهاية الطريق، بل بداية معركة أخرى على مائدة المفاوضات..فبحنكة سياسية نادرة وقيادة حكيمة، تمكنت مصر من استكمال مشوار التحرير حتى استعادت كامل أراضيها في سيناء، لقد أثبتت مصر للعالم أن القوة الحقيقية لا تكون فقط في المدفع والطائرة، بل في الإصرار والعقل السياسي الواعي،حيث تحولت حرب أكتوبر من معركة عسكرية إلى درس في القيادة والتخطيط ما زال يُدرّس في أرقى الأكاديميات العسكرية حتى اليوم.
لم يكن نصر أكتوبر مجرد تحرير للأرض، بل كان تحريرًا للروح المصرية من الإحباط والانكسار.. أعاد هذا النصر الثقة للمصريين في أنفسهم وجيشهم، وأعاد لمصر مكانتها العربية والإقليمية، كما جسدت الحرب أسمى صور التضامن العربي، حين توحدت المواقف وامتزجت الدماء على أرض سيناء.. لقد كانت أكتوبر نقطة تحول كبرى في تاريخ الأمة العربية، ورسالة خالدة تقول إن الوحدة طريق القوة.
بينما تحتفل مصر بذكرى نصرها العظيم، تمر منطقة الشرق الأوسط بظروف شديدة التعقيد، الحروب المشتعلة، والصراعات الإقليمية، والتحولات الاقتصادية العالمية ألقت بظلالها الثقيلة على المنطقة بأسرها.
وفي قلب هذه العاصفة، تقف مصر بثبات، تدافع عن أمنها القومي، وتحافظ على استقرارها الداخلي رغم ما تواجهه من تحديات اقتصادية وعسكرية جسيمة.. فالعالم يعيش مرحلة إعادة تشكيل في موازين القوى، مما يجعل الحفاظ على الوطن مسؤولية جماعية لا تقتصر على الجيش فقط، بل تشمل كل مواطن مصري يؤمن بأن بلده تستحق الأفضل.
تخوض مصر الآن معركة من نوع آخر، معركة التنمية والبناء والوعي، كما خاض أبطال أكتوبر معركة العبور بالسلاح، يخوض المصريون اليوم معركة العبور إلى المستقبل بالتعليم والعمل والإنتاج، حيث تنفذ الدولة مشروعات قومية كبرى تمتد من سيناء إلى الصعيد، وتعزز قوتها الاقتصادية والعسكرية في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء.
إن ذكرى السادس من أكتوبر ليست فقط للاحتفال، بل للتذكير والتجديد، تذكرنا أن النصر لا يتحقق إلا بالإيمان والعمل والوحدة، وأن مصر التي عبرت القناة قادرة أن تعبر أي أزمة..فاليوم، ونحن نحتفل بنصرنا الخالد، علينا أن نتوحد كما توحد أبطالنا من قبل، خلف قيادتنا السياسية وجيشنا العظيم، وأن نحافظ على تماسكنا في وجه كل ما يهدد وطننا.. فلنستمد من روح أكتوبر العزيمة، ومن دماء شهدائنا الأمل، ولنجعل من هذه الذكرى العطرة منارة تهدينا إلى مستقبل أفضل.
لقد أثبتت حرب أكتوبر أن إرادة المصريين لا تُهزم، وأن النصر الحقيقي لا يتحقق بالسلاح وحده، بل بالإيمان، والصبر، والتكاتف، وفي زمن تتزايد فيه التحديات، تبقى مصر قوية بشعبها، شامخة بتاريخها، ثابتة بجيشها، وماضية بثقة نحو غدٍ أكثر أمنًا وازدهارًا، فلنحافظ على ما حققناه بدماء أبطالنا، ولنكن دائمًا على قلب رجل واحد،حتى تظل مصرنا الغالية كما كانت دائمًا… وطنًا للعزة، وموطنًا للكرامة.