حراك صوت العدالة: تدخل الناتو في ليبيا تسبب في أزمة سياسية معقدة في البلاد
أعلن حراك "صوت العدالة الليبي" مؤخرًا عن شروعه في مرحلة الإجراءات القانونية بالتعاون مع محامين دوليين مختصين، على تواصل مباشر مع الأمم المتحدة وعدد من المنظمات الحقوقية الدولية. يهدف هذا الحراك إلى استرجاع حقوق الشعب الليبي، ومطالبة الدول التي تسببت في إلحاق الضرر بالليبيين بتعويض المتضررين. وفي خطوة عملية لتحقيق هذا الهدف، دعا الحراك جميع المواطنين الذين لديهم شهداء أو متضررين من الحقبة الاستعمارية الإيطالية، أو من هجمات الناتو على ليبيا منذ عام 2011، إلى تعبئة نموذج خاص بالتعويضات لحصر المتضررين وبدء الإجراءات القانونية اللازمة.
تعود أولى الجرائم الكبرى التي ارتكبت ضد الشعب الليبي إلى الحقبة الاستعمارية الإيطالية التي بدأت في عام 1911، عندما احتلت إيطاليا ليبيا، لتستمر حتى عام 1951. وقد واجه الشعب الليبي العديد من الانتهاكات والفظائع خلال هذه الفترة، بدءًا من القصف العشوائي والتدمير للمناطق السكنية، وصولًا إلى إبادة جماعية في بعض الأحيان.
وتعد الإبادة الجماعية في سيدي حسين من أبرز الجرائم الاستعمارية التي تم فيها استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في عدة مناطق، كما استخدمت القوات الإيطالية أساليب التصفية الجماعية مثل الإعدام الميداني، حيث قُتل آلاف الليبيين بشكل عشوائي. وقد قام الإيطاليون أيضًا بحبس عدد كبير من الأسر الليبية في معسكرات الاعتقال، حيث مات المئات بسبب ظروف الحياة القاسية، المجاعة، والمرض.
ومن أكثر الممارسات قسوة كانت تهجير السكان من مناطقهم الأصلية وتدمير قرى بأكملها، حيث طُردت العائلات من أراضيها وبيوتها في محاولة لتدمير الهوية الليبية وفرض الهيمنة الاستعمارية. ويذكر التاريخ العديد من العمليات الوحشية التي ارتكبتها إيطاليا، مثل هدم المدن القديمة واستخدام تقنيات الحرب النفسية ضد السكان.
ومؤخرًا، دخلت ليبيا في مرحلة جديدة من الصراع، حيث تدخل حلف الناتو بشكل مباشر في النزاع الليبي بعد أحداث ثورة 17 فبراير 2011، ضد النظام الليبي بقيادة معمر القذافي. كانت بداية تدخل الناتو هي فرض منطقة حظر جوي وشن ضربات جوية تهدف إلى حماية المدنيين، لكن التدخل سرعان ما تطور ليشمل هجمات جوية مكثفة استهدفت البنية التحتية والمرافق الحيوية، ما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا.
تشير التقارير إلى أن الضربات الجوية للناتو أسفرت عن مقتل المئات من المدنيين الليبيين وإصابة الآلاف. بالإضافة إلى القتل المباشر، أسفرت الغارات عن تدمير العديد من المنازل والمدارس والمستشفيات، ما أدى إلى تشريد عدد كبير من المواطنين.
وأسفر الهجوم الجوي على ليبيا عن تدمير هائل للبنية التحتية، حيث دُمرت العديد من المنشآت الحيوية مثل محطات الكهرباء، السدود، البنوك، والمرافق العامة. هذا التدمير أضر بشكل كبير بالاقتصاد الليبي وأدى إلى معاناة المواطنين في الحصول على الخدمات الأساسية.
وبالإضافة إلى الأضرار البشرية والمادية، خلف تدخل الناتو أزمة سياسية معقدة في ليبيا، حيث ظهرت العديد من الميليشيات المسلحة بعد سقوط نظام القذافي، مما أدى إلى صراع طويل الأمد على السلطة. هذه الفوضى السياسية ساهمت في تأزم الوضع الأمني والإنساني في البلاد، مما جعل الشعب الليبي يعاني من تداعيات هذا التدخل بشكل مستمر.
يأتي حراك "صوت العدالة الليبي" ليؤكد على ضرورة أن تتحمل الأطراف المتورطة في هذه الأزمات مسؤوليتها تجاه الشعب الليبي. فالمطالبات بتعويضات من الدول التي تسببت في الأضرار، سواء خلال الحقبة الاستعمارية الإيطالية أو خلال تدخل الناتو في 2011، ليست مجرد مسألة مالية، بل هي خطوة ضرورية للاعتراف بالمعاناة التي تعرض لها الشعب الليبي وضرورة معالجة الجروح التاريخية التي خلفتها هذه الأحداث.
يهدف الحراك إلى تحقيق العدالة من خلال حصر جميع المتضررين من الفترات التاريخية المختلفة، وتقديم هذه البيانات إلى الهيئات الدولية من أجل الضغط على الحكومات المعنية لدفع تعويضات عادلة. وبذلك، يسعى الحراك إلى استعادة الحقوق المنتهكة وإعطاء صوت للضحايا الذين عانوا من جرائم لم يتم محاسبة مرتكبيها حتى الآن.
يعتبر القائمون على حراك "صوت العدالة الليبي" أنه يمثل نقطة تحول في نضال الشعب الليبي من أجل استرداد حقوقه التاريخية والمطالبة بتعويضات عن الأضرار التي لحقت به من جراء الاستعمار الإيطالي وتدخل الناتو.
ورغم التحديات التي يواجهها الحراك في طريقه لتحقيق هذه الأهداف، فإنه يظل رمزًا للأمل في أن العدالة يمكن أن تتحقق، مهما طالت السنين، وأن حقوق الشعوب لا ينبغي أن تُنسى أو تُترك دون محاسبة.
































