علاء مطر يكتب.. مأزق حماس وفقدان السيطرة على غزة


علاء مطر يكتب:
مأزق حماس وفقدان السيطرة على غزة
يتواصل نزيف الدم في قطاع غزة لليوم الـ610 على التوالي دون توقف، لأن الطرفين يسعيان للحصول على الحد الأقصى، وهو حتى اللحظة أمر مستحيل، فحركة حماس ترفض استيعاب واقع أنها هُزِمت فعليا، في ظل وجود خلل فادح وواضح لمن يفهم السياسة وموازين السلاح والقوة، بينما تعتبر إسرائيل أن انتصارها الواضح والجلي في غزة يتيح لها إعادة هندسة الواقع، مستندة إلى القوة العسكرية الضخمة التي تمتد إلى مخازن السلاح في مختلف دول العالم.
وبات من الواضح أن حماس، وهي الطرف الذي أصبح ضعيفا أمام إسرائيل والتي تمتلك زمام المبادرة، وتتنصل من أي اتفاق، وتواصل الخداع والاجتياح لكافة مناطق القطاع، في حين تفقد حماس فعليا السيطرة على الأرض، وخاصة في محافظة رفح جنوب القطاع، حيث ينشئ ياسر أبو شباب، الذي يُطلق على نفسه "مسؤول القوات الشعبية"، مخيمات تحتوي على الكهرباء والماء والإنترنت والطعام، والتي يُتوقع أن يتوجه إليها الناس تحت قيادته، خصوصا أنه يمتلك أكثر من ثلاثمائة مسلح يسيطرون على الأوضاع وينفذون سياساته، بدعم إسرائيلي حسب وسائل إعلام إسرائيلية وربما يحظى بدعم عربي، بهدف إزاحة حماس عن المشهد، وهي نتيجة بدأت تترجم نفسها سياسيا وعلى طاولة التفاوض، كما هو الحال في معظم حروب التاريخ، باستثناء حالة حماس، التي استدعت كل هذا الخراب والهزيمة، فقد بات الاعتراف بالهزيمة يشكل حرجا لها، خاصة وأن قادتها رفعوا سقف الخطاب عاليا، دون دراية أو إلمام بالأبجديات، ليجد الشعب الفلسطيني في غزة نفسه معلّقا على شجرة، ودمه لا يتوقف عن النزيف.
يبدو أن حماس وقعت في فخ نتنياهو، الذي يضلل جميع دول العالم، وليس الإقليم العربي فقط، حيث يؤجل الحديث عن "اليوم التالي" في غزة إلى حين صناعة اللحظة التي تمكنه من فرض رؤيته، وقد خدع الجميع، بينما هو ماضٍ في تنفيذ خطته، محتفظا برؤيته، منتظرا اللحظة التي تتيح له السيطرة الكاملة على غزة، تحت ذريعة "ملف الأسرى الإسرائيليين"، الذين لا يهتم بهم فعليا، ولا يشكلون أولوية حقيقية له، كما يثبت الواقع، بل يتخذهم مجرد ذريعة لاستكمال الحرب ومواصلة تطبيق رؤيته.
في جميع حروب العالم، لا تتوقف الحرب إلا عندما يدرك الطرف الأضعف أنه لم يعد قادرا على الاستمرار، وأن مواصلة القتال ترفع من كلفة الخسارة، إلا أن الأمر مختلف بالنسبة لحركة حماس، التي تعتبر المعركة قضية وجودية، لا مجرد صراع يمكن فيه الانتصار أو الهزيمة، رغم أنها عمليا سلكت طريقا أدى إلى استدعاء الهزيمة. غير أن اعترافها بالخسارة يعني إسدال الستار على فكرتها الأساسية، وهي التي تتغنى دائما بأنها "حركة مقاومة مسلحة"، وأقنعت أنصارها بأن تحرير الأرض لن يتم إلا بالسلاح، لتكتشف في النهاية أن هذا السلاح، الذي من المفترض أن يحرر الأرض، تسبب في إعادة احتلال غزة، وضياع ما كان محررا، وهو أمر بالغ الصعوبة على عقيدة حماس.
إن ما حدث خلال حرب الإبادة المستمرة، وما رافقه من فشل عسكري وفداحة في الخسائر البشرية والمادية، سيضع برنامج حماس "العسكري" على الأقل أمام تساؤلات عميقة ستطال الحركة ككل، وسيفرض عليها الإجابة عن أسئلة صعبة جدا أبرزها: هل ما زالت تؤمن بأن "السلاح يحرر الأرض؟" أم أنها ستتجه نحو مسار تفاوضي جديد؟ لأن الحرب تسببت في تصدع بنية الحركة، وأثارت شكوكا حول مشروعها بالكامل.
وأمام هذا الواقع، بدأت الحركة تفقد السيطرة على أجزاء كبيرة من قطاع غزة، تصل إلى 72%، سواء بسبب الاحتلال الذي هجّر وقتل الناس في المناطق "الحمراء" الخاضعة للقتال، أو بسبب دعم إسرائيل لأطراف بديلة وتمويلها لتكون بديلا عن الحركة التي سيطرت على غزة منذ عام 2007، وهنا تتجلى أزمة حماس الحقيقية: إن اعترافها بخطأ المسار يعني إغلاق الصندوق على تجربتها ومشروعها، وهو بحد ذاته إعلان رسمي عن نهايتها، بعد أن وصلت أحلامها حدّ الوهم بتحرير فلسطين.
لذا فإن الحقيقة هي أن حماس تقف اليوم أمام مأزق وجودي هو الأصعب منذ نشأتها، فخياراتها كلها مرّة: إن استمرت في الحرب فهو "انتحار"، وإن اعترفت بالهزيمة وتحمّلت تبعاتها، فهو أيضا "انتحار" لفكرتها الأساسية، لذلك فإن مساعدة الفصائل الفلسطينية والدول العربية لحركة حماس على الانسحاب من المشهد بهدوء، بات أمرا وطنيا مهما للغاية لإنزال الحركة ومعها الشعب الفلسطيني في غزة عن الشجرة، ووقف حرب الإبادة المستمرة.