مالك السعيد المحامي يكتب: الشراء من التطبيقات الالكترونية والحماية القانونية للمستهلك والتوصيات


شهدت السنوات الأخيرة تحولًا كبيرًا في سلوكيات المستهلكين، حيث أصبح الشراء عبر التطبيقات الإلكترونية جزءًا أساسيًا من حياتهم اليومية. هذه التطبيقات تتيح للمستهلك الوصول إلى آلاف المنتجات والخدمات خلال دقائق معدودة، مقارنة الأسعار، الاطلاع على تقييمات ومراجعات المستخدمين، والدفع الإلكتروني الفوري مع سرعة التسليم إلى المنازل أو النقاط المخصصة. وفقًا لتقرير صادر عن "سوق دوت كوم"، فإن 91% من المستهلكين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قاموا بشراء منتجات عبر الإنترنت في عام 2023، ما يعكس الشعبية الهائلة للتجارة الإلكترونية في المنطقة.
في مصر، حاول المشرع مواجهة المخاطر المرتبطة بالشراء الإلكتروني من خلال إصدار قانون حماية المستهلك رقم 181 لسنة 2018، الذي تضمن مواد أساسية تهدف إلى حماية حقوق المستهلك، منها المادة 36 التي تلزم المورد بتوفير معلومات واضحة قبل إتمام العقد، بما يشمل تفاصيل المنتج والسعر وشروط الدفع وحقوق الاسترجاع، والمادة 38 التي تمنح المستهلك الحق في تصحيح أو تعديل طلبه خلال 7 أيام عمل من تاريخ إتمام العقد. بالإضافة إلى ذلك، يوفر قانون المعاملات الإلكترونية رقم 15 لسنة 2004 إطارًا قانونيًا للعقود الرقمية وإثبات الصفقة إلكترونيًا أمام القضاء.
أما في دول الخليج، فقد شهدت التجارة الإلكترونية نموًا ملحوظًا، إذ تشير بيانات "Market Research Future" إلى أن حجم سوق التجارة الإلكترونية في دول الخليج سيصل إلى 236.9 مليار دولار أمريكي في عام 2024، مع معدل نمو سنوي مركب يبلغ 7.2% حتى عام 2035، مما يعكس التوسع الكبير في الاعتماد على الشراء الرقمي كوسيلة رئيسية للتجارة. وتعمل دول الخليج على تعزيز حماية المستهلك من خلال تشريعات محلية لضمان حقوقه في استرجاع الأموال وضمان جودة المنتجات.
في الولايات المتحدة الأمريكية، بلغ إجمالي مبيعات التجارة الإلكترونية في الربع الثاني من عام 2025 حوالي 292.9 مليار دولار أمريكي، وهو ما يمثل 15.5% من إجمالي مبيعات التجزئة، ما يدل على الاعتماد الكبير على الشراء عبر الإنترنت، لكن الولايات المتحدة تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالاحتيال الإلكتروني، حيث بلغت الخسائر الناتجة عن الاحتيال 48 مليار دولار أمريكي في عام 2023، ومن المتوقع أن تتجاوز 343 مليار دولار بين عامي 2023 و2027، مما يستدعي تعزيز السياسات الأمنية والرقابة على المنصات الإلكترونية.
أما في الاتحاد الأوروبي، فقد أظهرت بيانات "Eurostat" أن 75% من مستخدمي الإنترنت الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و74 عامًا قاموا بشراء سلع أو خدمات عبر الإنترنت في عام 2023. ورغم أن الاتحاد الأوروبي يتبنى سياسات صارمة لحماية المستهلك مثل لائحة حماية البيانات العامة (GDPR)، إلا أن المفوضية الأوروبية أشارت إلى زيادة عدد المنتجات غير المطابقة للمواصفات، مما يستدعي تعزيز الرقابة والتشريعات لضمان حماية المستهلكين.
رغم التشريعات المتقدمة في مصر ودول الخليج وأوروبا وأمريكا، إلا أن التحديات المشتركة لا تزال قائمة، وتشمل التعرض للمنتجات المقلدة أو غير المطابقة، التأخير في التسليم، الاحتيال الرقمي، وانتهاك حقوق الملكية الفكرية. ويزداد التعقيد عند التعامل مع المنصات العابرة للحدود، حيث تختلف القوانين من دولة إلى أخرى، ويصبح تحريك الحقوق القانونية للمستهلك أكثر صعوبة وتكلفة.
لذلك، يُوصى بعدة إجراءات لتعزيز حماية المستهلك في المعاملات الإلكترونية،:
أولا: تحديث القوانين الوطنية لتواكب التطورات التكنولوجية، تعزيز التعاون الدولي لتبادل الخبرات والمعلومات، رفع مستوى الوعي الرقمي لدى المستهلكين حول حقوقهم، وضرورة وجود جهات رقابية متخصصة لضمان تطبيق القوانين وفرض العقوبات على المخالفين. هذا التوازن بين حرية التجارة الإلكترونية وحماية المستهلك يعد أساس سوق رقمي آمن ومستدام، ويعكس قدرة الدولة على تنظيم الاقتصاد الرقمي وحماية حقوق المواطنين.
ثانيًا، يجب تطوير أدوات رقابية فعالة عبر الإنترنت، تشمل المراقبة المستمرة للمنصات الرقمية، والتأكد من التزامها بمعايير حماية البيانات والأمان الرقمي، وربط هذه الأدوات بتقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة الأنشطة المشبوهة ومنع الاحتيال قبل وقوعه.
ثالثًا، يلعب التوعية الرقمي دورًا محوريًا، حيث ينبغي تنفيذ حملات توعية واسعة تستهدف المستهلكين، تشرح حقوقهم القانونية، طرق حماية بياناتهم المالية والشخصية، وكيفية التعامل مع المشاكل أو الإعلانات المضللة، مع تقديم إرشادات عملية للاستفادة من آليات الشكاوى الرسمية.
رابعًا، لا بد من تعزيز التعاون الدولي بين الدول لمواجهة التحديات العابرة للحدود، مثل المنصات الأجنبية التي تقدم خدماتها في مصر ودول الخليج وأوروبا وأمريكا، بما يشمل تبادل الخبرات القانونية، وضع معايير موحدة للسلامة والأمان، وتسهيل تحصيل الحقوق القانونية للمستهلك في حالات النزاع الدولي. أخيرًا، يجب أن تتضافر جهود القطاعين العام والخاص، بحيث تتبنى التطبيقات الإلكترونية سياسات حماية قوية للمستهلك، وتلتزم بأعلى معايير الجودة والأمان، بينما يضمن المشرع الإطار القانوني والتنظيمي، مما يخلق بيئة رقمية متوازنة وآمنة، تدعم نمو التجارة الإلكترونية بشكل مستدام وتحمي المستهلك من المخاطر المتزايدة في العصر الرقمي.
ختامًا .. يظل الشراء عبر التطبيقات الإلكترونية ظاهرة مستمرة ومتنامية، ويعكس التطور التكنولوجي والتحول الرقمي في أنماط حياة المستهلكين. ورغم ما توفره هذه التطبيقات من سهولة الوصول للمنتجات والخدمات وتوفير الوقت والجهد، فإنها تحمل معها مخاطر قانونية ومالية وتقنية، تشمل الاحتيال الإلكتروني، المنتجات غير المطابقة للمواصفات، فقدان الحقوق عند الخلافات، وانتهاك خصوصية البيانات. لذلك فإن حماية المستهلك الرقمي تتطلب نهجًا متعدد الأبعاد يجمع بين التشريع الفعّال، الرقابة الصارمة، التوعية المجتمعية، والتعاون الدولي. أولاً، يجب على المشرع المصري والجهات الرقابية تحديث القوانين الخاصة بالتجارة الإلكترونية بشكل دوري لتواكب التطورات التكنولوجية السريعة، بما يشمل فرض شروط واضحة على مزودي الخدمات الرقمية، وتحديد آليات استرداد الأموال والتعويض عن الأضرار، وتطبيق عقوبات رادعة على المخالفين.