الوثيقة
الإسلام السياسي

لقب شيخ الإسلام.. على من أُطلق ولماذا؟

تعبيرية
تعبيرية

من الألقاب التي تحمل التقديس والاحترام والتبحيل لبعض الشخصيات الإسلامية لقب "شيخ الإسلام"، الذي اشتهر به بعضهم وصار علما عليهم، حتي ظن الكثيرون أن هذا اللقب اختص به ابن تيمية الحراني وحده من بين العلماء، لكن الحقيقة أن هناك ما يقرب من 30 عالما نالوا هذا اللقب، الذي يطلق على من وصل إلى درجة علمية رفيعة في الإفتاء والاجتهاد، وكان لقبا رسميا على من يتقلد منصب الإفتاء في الدولة الاسلامية، خاصة الدولة العثمانية، وكان آخر من تلقب رسميا بهذا اللقب شيخ الإسلام مصطفى صبري التوقادي مفتي الخلافة.

وتستخدم الكثير من التراجم، والمؤلفات الخاصة بكبار العلماء في كتب التراث، لقب شيخ الإسلام بشكل كبير، ومنها مثلا الكتب الحديثية للإمام السيوطي، مثل كتابه الشهير "تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي"، فهو يطلق اللقب على شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني وحده، رغم أن النوواي أيضا من الذين أطلق عليهم هذا اللقب.

ولم يكن لقب شيخ الإسلام حكرا على مذهب معين، فقد تنوعت مذاهب حاملي اللقب بين المدارس الإسلامية، ومنها السلف والأشاعرة والصوفية وأصحاب الفكر الاعتزالي، كما تنوع أيضا استخدام اللقب بين الإطلاق العام، فهو يطلق أحيانا على عالم واحد في الزمن الواحد، وقد يتنوع ذلك فيتعدد حاملو اللقب في أكثر من قطر إسلامي في الزمن الواحد، فيكون هناك شيخ الإسلام في مصر ، مثل الشيخ عبدالحليم محمود، أو شيخ الإسلام في تونس مثل محمد عبد العزيز جعيط المولود في 1886 والمتوفي في 5 يناير 1970.

أول من لقب به

اختلف العلماء حول أول من تلقب بشيخ الإسلام فمنهم من قال إنه أبو بكر الصديق ومنهم من قال إنه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ومنهم من قال غير ذلك.

قال الشيخ بكر بن عبدالله أبوزيد في معجم المناهي اللفظية:
"أول من لقب به : أثر أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : جاء رجل إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقال : يا أمير المؤمنين سمعتك تقول على المنبر : اللهم أصلحني بما أصلحت به الخلفاء الراشدين المهديين ، فمن هم ؟ قال فاغرورقت عيناه ، وأهملهما ، ثم قال : أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - : إماما الهدى وشيخا الإسلام .. إلخ . ذكره المحب الطبري في (الرياض النضرة) بلا إسناد ، وعنه : السخاوي في (الجواهر والدرر) وعنه الكتاني في (التراتيب الإدارية) لكنه لا يصح.
والذهبي - رحمه الله تعالى - في (سير أعلام النبلاء: 3/ 204)، قال عن ابن عمر - رضي الله عنهما - : (شيخ الإسلام) ولعله الصحابي الوحيد الذي نعتهُ الذهبي بذلك. والله أعلم.
لقب بهذا جماعات من أهل العلم منهم: أحمد بن عبدالله بن يونس اليربوعي م سنة 227 هـ . - رحمه الله تعالى - قال الإمام أحمد بن حنبل لرجل سأله: عمن أكتب ؟ قال: اخرج إلى أحمد بن يونس اليربوعي، فإنه شيخ الإسلام. ا هـ .
ومنهم شيخ الإسلام الصابوني م سنة 449 هـ - رحمه الله تعالى - .
ومنهم أبو إسماعيل الهروي الحنبلي م سنة 481 هـ - رحمه الله تعالى - في جماعة آخرين ذكر منهم السخاوي جملة في ( الجواهر والدرر) .
3 في ترجمة الإمام شيخ الإسلام عبدالله بن المبارك م سنة 181 هـ - رحمه الله تعالى - قال الذهبي - رحمه الله تعالى - :
(وناهيك به شيخ الإسلام ، وشيخ الإسلام إنما هو أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - الذي ثبت الزكاة ، وقاتل أهل الردة فاعرفه).
وفي ترجمة الهكاري من (وفيات الأعيان) أن بعض الأكابر قال له : أنت شيخ الإسلام ، فقال : بل أنا شيخ في الإسلام . اهـ .
لا نعرف في علماء الإسلام من فاقت شهرته بهذا اللقب بحيث ينصرف إليه ، ولو لم يقرن باسمه ، سوى : شيخ الإسلام ابن تيمية : أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام النميري الحنبلي السلفي المجتهد المطلق م سنة 728 هـ - رحمه الله تعالى ...
(انظر: معجم المناهي اللفظية ، بكر بن عبدالله أبوزيد، ص: 321)

شروط اللقب وتحولاته

ورغم أن بداية استخدام اللقب كانت في عهد الصحابة رضوان الله عليه، وأن أول من حمل هذا اللقب -كما ذكرت المصادر- أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ولكنهما لم يشتهرا به، ولكن يطلق اللقب عليهما بشكل مختصر فيقال عليهما (الشيخان) وهما شيخا الإسلام.

وقد كانت شروط اللقب قاسية فلا يطلق إلا على كل علّامة متبحر في العلوم الشرعية الإسلامية، وله دراية وريادة وله قيمته في الاجتهاد بين علماء الإسلام، ومن شروطه نبذ التقليد، والتحرر من العصبية المذهبية، والعمل بالاجتهاد، واخذ الاحكام الشرعية من أدلتها الأصلية: الكتاب والسنة الصحيحة.

إلا أن هذه الشروط تم الاستغناء عنها في مراحل تاريخية معينة، وطغى فيها الغلو في بعض العلماء ممن لا تنطبق عليهم، فظهر إلى جانبه بعض الألقاب الأخرى وفي ذلك يقول أبو بكر عبدالله:

" وقد غلا أقوام في آخرين، من عالم في مذهب ، أو شيخ طريقة فأضافوا عليهم من الألقاب ما لا يطاق ، وفي العصر الذي نعيش فيه - وأنا أقيد في هذا المعجم المبارك عام 1405 هـ - كثر إطلاق : سماحة الشيخ ، وصاحب السماحة على من هم - على العلم وأهله - عالة ، وإنما لما لهم من حظ وحظوة في هذه الدنيا ؟
وللكنوي - رحمه الله تعالى - له بحث ماتع في : الفوائد البهية ص/ 241 - 242 ، ومما قاله نقلاً عن السخاوي :
(ولم تكن هذه اللفظة مشهورة بين القدماء بعد الشيخين : الصديق والفاروق، فإنه ورد في وصفهما بذلك ، ثم اشتهر بها جماعة من علماء السلف حتى ابتذلت على رأس المائة الثامنة ، فوصف بها من لا يحصى وصارت لقباً لمن ولي القضاء الأكبر، ولو عري عن العلم والسن، فإنا لله وإنا إليه راجعون . انتهي كلام السخاوي .
قلت : ثم صارت الآن لقباً لمن تولى منصب الفتوى ، وإن عري عن لباس العلم والتقوى ) اهـ.
(انظر: معجم المناهي اللفظية ، بكر بن عبدالله أبوزيد، ص: 321)

أشهر من حمل لقب شيخ الإسلام

لم يكن لقب شيخ الإسلام حكرا على مذهب معين، بل حمله علماء من المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة، كما حمله السلف مثلما حمله المتكلمون من الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم وكذلك الصوفية، واشتهر حاملو اللقب الأوائل بكثرة العلم والتبحر فيه والاجتهاد، ومن اشهرهم:
شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728 هـ) وهو من السلفية.
شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) من الأشاعرة.
شيخ الإسلام العز بن عبد السلام (ت 660 هـ) أشعري من الشافعية.
شيخ الإسلام فخر الدين الرازي (ت 606 هـ) من المتكلمين الأشاعرة.
شيخ الإسلام ابو عمر ابن الصلاح (ت 643 هـ) من كبار المحدثين
شيخ الإسلام أبو حامد الإسفراييني (ت 406 هـ) أشعري من الشافعية.
شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني (ت 449 هـ) من علماء السلف.
شيخ الإسلام أبو بكر البيهقي (ت 458 هـ) أشعري، من الشافعية.
شيخ الإسلام ابو الفرج ابن الجوزي (ت 597 هـ) من السلف.
شيخ الإسلام تقي الدين السبكي (ت 756 هـ) شافعي.
شيخ الإسلام تاج الدين السبكي (ت 771 هـ) شافعي.
ومن العصر الحديث:
محمد الطاهر بن عاشور (ت 1393 هـ) المفسر الأصولي.
عبدالحليم محمود (ت 1397 هـ) شيخ الأزهر

شيخ الإسلام ألقاب إسلامية الوثيقة

الإسلام السياسي