الوثيقة
حسين خضير: انتخابات الشيوخ 2025 أكدت كفاءة الدولة في إدارة استحقاق وطني شاملالمهندس خالد العبيدي يعلن إطلاق مشروع للمجموعة في الواحات البحريةأحمد محسن: توجيهات الرئيس بحفظ التراث الإذاعي والتلفزيوني وإطلاق موقع عالمي لإذاعة القرآن الكريم خطوة تاريخية لحماية الهوية المصريةحزب الاتحاد يدين ما أثارته وسائل إعلام إسرائيلية حول ما يسمى ”إسرائيل الكبرى”النائبة أمل سلامة: المرأة تعيش عصرها الذهبي سياسيا.. والتأثير أهم من العددمالك السعيد يكتب.. من قضبان السجون إلى الشاشات الرقمية… كيف تكسر ”الزيارة الإلكترونية” دائرة الجريمة ومعاناة المجتمع ؟دكتورة فاتن فتحي تكتب.. بين غياب الوعي المجتمعي ومعاناة القائمين به... التمريض المنزلي في خطر !!مشوار تكرم رئيس مجلس إدارة “ الحلال توب فود” للصناعات الغذائيةتكريم الحج بشير الجغبير والمهندس أحمد سعيد تقديرًا لعطائهم الخيري في مصرمؤسسة ”تكفيك نعمتي” تشيد بالمعارض التي تدعم أعمال الأشخاص ذوي الإعاقة وتطالب بتعميمها على مستوى الجمهوريةمكتبي مفتوح طوال الاسبوع لخدمة أهالي الجيزةشعر فصحى للاطفال ديوان جديد عن الهيئة العامة للكتاب
الأخبار

مالك السعيد يكتب.. من قضبان السجون إلى الشاشات الرقمية… كيف تكسر ”الزيارة الإلكترونية” دائرة الجريمة ومعاناة المجتمع ؟

مالك السعيد المحامي
مالك السعيد المحامي

من قضبان السجون إلى الشاشات الرقمية… كيف تكسر "الزيارة الإلكترونية" دائرة الجريمة ومعاناة المجتمع ؟
بقلم: مالك السعيد – المحامي

شهدت العقود الأخيرة تحوّلًا جذريًا في فلسفة العقوبات السالبة للحرية لدى الدول المتقدمة، مستندةً إلى دراسات نفسية واجتماعية أجرتها مراكز بحثية متخصصة، والتي أثبتت أن الهدف الإصلاحي هو جوهر العقوبة، وأن إعادة تأهيل السجين وإدماجه في المجتمع أهم من مجرد عزله. وقد برز ضمن هذه الإجراءات الإصلاحية توسيع تواصل السجين بالمجتمع الخارجي عبر آليات منظمة، لما لذلك من أثر إيجابي على استقراره النفسي وسلوكه الاجتماعي.. وتؤكد دراسة صادرة عن وزارة العدل الأمريكية أن السجناء الذين يتلقون زيارات منتظمة تقل احتمالية عودتهم للجريمة بنسبة 26٪، بينما ترتفع النسبة إلى 36٪ لدى من حصلوا على زيارات أكثر انتظامًا وجودة.
واتساقًا مع مقاصد العقاب الإصلاحي، وفي ظل التطور الهائل في تسخير التكنولوجيا لخدمة الإنسان، أصبح من الضروري إدماج الزيارة الإلكترونية ضمن منظومة السجون، خاصة مع تزايد أعداد النزلاء نتيجة الزيادة السكانية، والتكدس الكبير في أيام الزيارات..فالزيارة الإلكترونية تمنح فرصة للتواصل الآمن بين السجين وذويه دون الحاجة للانتقال إلى السجون، ما يقلل من مشقة السفر، خاصة وأن دراسات في ولاية واشنطن الأمريكية أثبتت أن متوسط المسافة بين منزل عائلات السجناء والسجون بلغ 129 ميلًا، وهو ما يشكل عبئًا جسديًا وماديًا كبيرًا على الأسر.
إضافة إلى الجانب الإنساني، فإن الزيارة الإلكترونية تساهم في تخفيف الضغط على الطواقم الأمنية المسؤولة عن تنظيم الزيارات، وتحد من عمليات تهريب الممنوعات، وهو ما أكدته تقارير أمنية في عدد من السجون الأمريكية التي طبّقت النظام منذ 2016، حيث انخفضت الحوادث الأمنية والضبطيات خلال أيام الزيارات بنسبة تجاوزت 40٪...كما أن دراسة لإدارة السجون في مينيسوتا أظهرت أن السجناء الذين حصلوا على زيارة إلكترونية واحدة على الأقل انخفضت لديهم معدلات الإدانة الجنائية العامة بنسبة 22٪، والجسيمة بنسبة 21٪، مع تراجع احتمالية العودة للجريمة بنسبة 3٪ عن كل زيارة إلكترونية إضافية.
الزيارة الإلكترونية إذن ليست بديلًا باردًا عن الزيارة المباشرة، بل هي جسر تواصل دائم يعزز الترابط الأسري وصلة الرحم، ويحد من تكوين ارتباطات إجرامية جديدة داخل السجون.. وقد أظهرت استطلاعات رأي بين السجناء أن 61.9٪ منهم يرون أن الزيارة الإلكترونية تساعدهم على البقاء على تواصل فعّال مع عائلاتهم، وأنها تمنحهم حافزًا للالتزام بسلوكيات إيجابية لتجنب سحب الامتيازات منهم. وفي المقابل، أبدى 84٪ من السجناء تفضيلهم للزيارة المباشرة إذا توفرت، مما يجعل المزج بين الطريقتين أفضل خيار.
لا تقتصر فوائد الزيارة الإلكترونية على الجوانب الأمنية والاجتماعية، بل تمتد إلى تحقيق وفورات اقتصادية ملموسة.. ووفقًا لتقرير صادر عن Vera Institute of Justice، فإن نقل السجناء وتأمينهم خلال الزيارات التقليدية يكلف بعض الولايات الأمريكية ملايين الدولارات سنويًا، بينما يتيح النظام الإلكتروني خفض هذه النفقات بنسبة تصل إلى 60٪ عبر تقليل الحاجة إلى النقل والحراسة الإضافية..كما أن هذا النظام يوفّر على الأسر أعباء السفر الطويل، حيث تشير بيانات من Prison Policy Initiative إلى أن 50٪ من أسر السجناء تنفق ما بين 100 و300 دولار شهريًا على تكاليف السفر والزيارة، وهو ما يمكن تخفيفه جذريًا عبر الوسائل الإلكترونية.
اعتمدت عدة دول متقدمة نظام الزيارة الإلكترونية بنجاح لسنوات، مع تطويره بما يتوافق مع البنية التحتية والتقاليد الاجتماعية..في كندا، يتمكن السجناء من حجز جلسات فيديو أسبوعية مع أسرهم، ويُمنح السجناء ذوو السلوك المثالي دقائق إضافية أو تواصلًا أكثر مرونة. أما في أستراليا، فقد تبنت ولاية نيو ساوث ويلز النظام منذ 2012، مما أتاح للأسر في المناطق النائية فرصة التواصل المنتظم، وقلّل من حدة الانعزال النفسي للسجناء بنسبة 30٪ وفق تقارير وزارة العدل المحلية..هذه التجارب تؤكد أن نجاح النظام لا يتحقق بمجرد توفير التقنية، بل بدمجها مع برامج الدعم النفسي والتأهيلي، وضمان عدالة الوصول إليها لجميع السجناء دون تمييز.
يمكن تطبيق الزيارة الإلكترونية في أوقات غير محددة، ما يمنح مرونة أكبر في التواصل مع الأسر، خاصة في المناسبات الطارئة أو الحالات الإنسانية. كما يمكن تخصيص أيام للزيارة العائلية الموسعة عبر الإنترنت، دون التقيد بعدد محدد من الزوار، وربط هذا الامتياز بالمشاركة الفعالة للسجين في برامج الإصلاح المهنية والتعليمية والثقافية..وفي هذا الإطار، توصي تقارير العدالة الإصلاحية بضرورة تقديم حوافز إضافية للسجناء المثاليين، مثل زيادة زمن الزيارة أو إتاحة عدد أكبر من المرات شهريًا، وهو ما يرفع من فرص إعادة الإدماج والالتزام بالسلوك الإيجابي.
نهاية ..فإن الزيارة الإلكترونية للسجناء ليست رفاهية تقنية، بل هي ضرورة اجتماعية وواستراتيجية أمنية تحقق أهداف إصلاحية وإنسانية عميقة. فهي تقلل معدلات العودة للجريمة، تخفف الضغط الأمني، تحافظ على الروابط الأسرية، وتتيح فرصًا أكبر لإعادة التأهيل. لكن نجاحها يتطلب تنفيذًا متوازنًا يحافظ على حق السجناء في الزيارة المباشرة، ويدعم البنية التقنية، ويضمن عدالة التكلفة لجميع الأسر. وبذلك تصبح الزيارة الإلكترونية أداة استراتيجية فاعلة في مكافحة السلوك الإجرامي، وتحقيق العدالة الإصلاحية بمفهومها الحديث.

الأخبار