الوثيقة
الرأي الحر

إلى الدكتورة منال عوض.. تكريم تمريض ”دمياط العام” و”الزرقا المركزي” مطلب شعبي

الوثيقة

في مثل هذا التوقيت من العام الماضي بدأت أتيقين من إصابتي بفيروس كورونا، بعد ظهور أعراضه القاتلة علي، وتحول الشك إلى يقين عندما ظهرت نتيجة التحاليل بأنها سيئة للغاية وتحتاج إلى احتجازي في قسم العناية المركزة، ولم يخبرني أحد بخطورة الإصابة، وقتها كنت عائدا من إجراء أشعة مقطعية على الصدر بأحد مراكز الأشعة الشهيرة في منطقة المعادي بالقاهرة، لكن زوجتي بادرتني بأنها أرسلت صورة التحاليل إلى شقيقي في دمياط، فأخبرها بأنه تمكن من حجز سرير لي بمستشفى الزرقا المركزي بمحافظة دمياط، وكان العثور على سرير في اي مستشفى من الأمور المستحيلة في هذا الوقت.
وأثناء انتقالي من القاهرة لدمياط لم تكن صورة التحاليل وصلت لمستشفى الزرقا، لكن فوجئت باتصال هاتفي من الدكتور عمرو شاهين مدير المستشفي يخبرني باستعداد المستشفى لاستقبالي وأنه تلقى اتصالا للتو من الدكتورة منال عوض محافظ دمياط يخبره بتوجهي للمستشفى، والحقيقة ما لمسته من الرجل واهتمامه أنه لم يكن يحتاج إلى اتصال من أحد فالمستشفى يستقبل الجميع ويضعهم على قدم المساواة وكان هذا توجها عاما في المحافظة وقتها.
وبعد أكثر من 7 ساعات وصلت إلى المستشفى مع اذان فجر يوم الإثنين 14 يونيه 2020م، كان الدكتور عمرو غادر المستشفى لأنه لم يغادره منذ 24 ساعة متواصلة فأراد أن يأخذ قسطا من الراحة وترك رسالة في الاستقبال بالتعامل مع حالتي فور وصولي وأخبرني بأنه سيتواصل معي صباحا، لكن بمجرد عرض التحاليل على الاستقبال كانت المفاجأة التي أخفاها عني الجميع وهي أن حالتي خطيرة للغاية وتحتاج لإمكانات أكبر من إمكانات مستشفى الزرقا.
تركنا مستشفى الزرقا- الذي سنعود للحديث عنه بعد قليل – وتوجهنا إلى مستشفى دمياط العام الذي لم أتوقع أبدا أن أرى ما رأيته فيه من اهتمام بالمرضى، بمجرد دخولي الاستقبال لم يهتم أحد بمعرفة شخصيتي ولا مهنتي ولا حتى اسمي، تحول الاستقبال في السادسة صباحا لخلية نحل إلى أن استقر الأطباء على أن حالتي تحتاج لمتابعة قبل نقلي للعناية المركزة وكان هذا هو الصواب، لأستقر في الدور الرابع قسم النساء والولادة- بعد تحول المستشفى لعزل بالطبع- لأعيش لمدة أسبوعين تقريبا بين يدي الطاقم الطبي بقيادة الدكتور إسماعيل الحفناوي مدير المستشفى في ذلك الوقت قبل انتقاله لمنصب مدير صحة السويس.
كنت قبل هذا اليوم أسمع فقط عن مصطلح ملائكة الرحمة الذي يطلق على التمريض، ولم أكن أتخيل أن هذا المصطلح يمكن أن أعايشه حقيقة منذ اللحظة الأولى التي دخلت فيها غرفتي، الجميع يدخل لتهدئتي وطمأنتي مع كل جرعة علاج، بدءا من أم أميرة التي كانت حريصة على نظافة غرفتي بين مرتين أو ثلاث مرات في اليوم، والممرضة وفاء التي ظننتها ساحرة في أول يوم عندما نزف الدم من يدي وأغرق مفرش السرير فتعاملت بكل سرعة لوقف الدماء المتدفقة، وبعدها جاءت بمفرش جديد للسرير وأصرت على تغيير المفرش الذي أصابته الدماء ولم تنتظر العاملة وكنت وقتها لا أستطيع الحركة مطلقا فتعاملت مع الوضع بكل احترافية وسرعة وتمكنت من تغيير المفرش دون أن أتحرك من مكاني ولست أعلم كيف فعلت ذلك إلى الآن، وفوجئت منذ أيام بسيل من الثناء على وفاء وزميلاتها اللاتي لم أر وجه أي منهن طيلة وجودي بينهن في المستشفى والتي قاربت الأسبوعين، بسبب أعمالهن الإنسانية والبطولية لإنقاذ الحالات الخطرة، وهنا أذكر بعض أسمائهن وبالطبع على رأسهن رئيسة التمريض رانيا زيد ابنة تل الكاشف وجهودها الكبيرة في متابعة المرضى، والممرضة المشاغبة زينب التي لا تترك مريضا في حاله بمشاغباتها وسؤالها المتكرر عن حالته ومتابعته في كل وقت، وكذلك ابنة مدينة الزرقا مايسة صقر الدءوبة التي حضرت معي لحظة الأمل بعد سلبية المسحة وسجلت فرحتي بقرب الخروج والتي انقلبت لخوف بعد رفض الدكتور أحمد عبدالله التوقيع على خروجي قبل إجراء مسحة أخرى نظرا لشكه في الأشعة المقطعية، ومحاولتها طمأنتي وتهدئتي، وغيرها أعتذر لهن لعدم تمكني من ذكر أسمائهن.
الحقيقة ما وجدته في مجتمع التمريض في مستشفى دمياط العام، يحتاج إلى صفحات لتدوين جهودهن الطيبة في مساعدة مرضى العزل، ويحتاج إلى تكريم من الدولة على هذه الجهود، أو على الأقل البحث في احتياجاتهن ومشاكلهن الكثيرة التي لا يلتفت إليها أحد.
أما المفاجأة الأخرى.. فكانت الطاقم الطبي بمستشفى الزرقا المركزي برئاسة الدكتور عمرو شاهين، في الأسبوع الأول من رمضان فوجئت باتصال هاتفي من خالي بأنه محجوز في عزل مستشفى الزرقا، فأبلغته بأنني سأتصل بإدراة المستشفى كي أعرف حالته بالتفصيل، فاستحفلني بألا أفعل، فسألته لماذا؟ فأخبرني بأنه يشعر أنه بين أهله ولا يحتاج لأي شيء من الخارج، خاصة من طاقم التمريض الذي يحيط بالمرضى ويوليهم كل رعاية.
ظننت أنه لا يريد إحراجي لكن بعد خروجه بأسبوع أصيبت أختي بالفيروس، وكان وقتها العثور على سرير في اي مستشفى من المستحيلات، فاتصلت بالدكتور عمرو شاهين مدير المستشفى، الذي رد على الفور لكنه أخبرني أن المستشفى كامل العدد الآن وأنه سيحاول تدبير سرير لها بعد الإفطار وأخبرني بضرورة إرسالها للمستشفى.
كان معها شقيقي وكان يشعر ببعض الأعراض، وعندما دخلا المستشفى أخبروه بضرورة عمل أشعة مقطعة له أيضا، وكانت المفاجأة أنه مصاب ويحتاج أن يحجز بالمستشفى، وفي هذه الحالة أصبحنا في حاجة إلى سريرين بدلا من سرير واحد، الأمر الذي وضعني في مأزق فكيف أتصل بالدكتور عمرو، الذي أعلم أنه ليس من السهل عليه في هذا التوقيت توفير سرير واحد، لكنه دون أن يعرف أن الشقيقين هما أختي التي حدثته عنها وأخي معها، كلف الإدارة بسرعة توفير سريرين لهما وفي أقل من ساعة كانا قد استقرا في المستشفى ليخبراني بالجهود غير العادية التي يبذلها طاقم التمريض بالمستشفى والتي لا تقل عن جهود طاقم مستشفى دمياط العام.
تحية طيبة لأطقم التمريض في مستشفى دمياط العام، ومستشفى الزرقا المركزي، وللدكتور إسماعيل الحفناوي المدير السابق لمستشفى دمياط العام والدكتور محمد اللبان مدير المستشفى الحالي والذي علمنا ما يبذله هو أيضا من جهود لراحة المرضى بالمستشفي، وتحية خاصة للدكتور عمرو شاهين مدير مستشفى الزرقا المركزي الذي تعرض لحملة تشويه مغرضة.
وأتمنى من الدكتورة منال عوض محافظ دمياط تكريم هذه النماذج الطيبة التي تضحي بنفسها في سبيل خدمة المرضى، كما أتمنى من الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة محاولة التيسير عليهن في بعض مطالبهن المشروعة، ومنها النقل لأماكن قريبة من محل سكنهن، وهو أمر ليس صعبا، خاصة إذا تيسر التبديل بينهن من مستشفى إلى آخر، وهي فرصة طيبة لتغذية كل مستشفيات المحافظة بهذه النماذج الطيبة.

مستشفى دمياط العام مستشفى الزرقا المركزي محافظة دمياط وزارة الصحة مستشفيات العزل كورونا التمريض الوثيقة

الرأي الحر