الجفاف في إيران: أزمة مائية تهدد بنقل العاصمة.. الأسباب التداعيات المخاطر والخيارات البديلة
في ظل التحديات المناخية المتفاقمة، تواجه إيران واحدة من أخطر الأزمات البيئية في تاريخها الحديث وهو الجفاف الشديد الذي يهدد بإغلاق صنابير المياه في طهران، العاصمة السياسية والاقتصادية
ومع دخول إيران عامها السادس على التوالي من الجفاف، أصبحت فكرة نقل العاصمة ليست مجرد اقتراح، بل ضرورة ملحة وفق تصريحات الرئيس مسعود بزشكيان التي أدلى بها اليوم الخميس. ويُقدر الخبراء أن هذا الجفاف، المعزز بتغير المناخ وسوء الإدارة، قد يؤدي إلى إخلاء جزئي للعاصمة طهران إذا لم تهطل أمطار كافية قبل نهاية نوفمبر 2025.
في هذا التقرير الشامل، نستعرض أسباب الجفاف في إيران، تداعياته الاقتصادية والبيئية، المخاطر المحدقة، والخيارات المتاحة لعاصمة بديلة. يهدف التقرير إلى توضيح الواقع الملح، مع التركيز على الحلول المستدامة لأزمة الجفاف في إيران.
أسباب الجفاف في إيران:
يُعد الجفاف في إيران أحد أبرز التحديات المناخية في الشرق الأوسط، حيث يُسجل البلد أدنى مستويات الأمطار في تاريخه خلال الخريف 2025، مما يجعله "الأكثر جفافًا في 50 عامًا".
وفقًا لتقارير منظمة الأمم المتحدة، انخفضت هطولات الأمطار بنسبة 35% في العقود القادمة، مع ارتفاع درجة الحرارة المتوسطة بـ2.6 درجة مئوية، مما يعزز من شدة الجفاف.
تغير المناخ العالمي:
وتشير دراسات حديثة إلى أن الجفاف الحالي جزء من دورة مناخية طويلة الأمد، مع انخفاض في أمطار الشتاء بنسبة تصل إلى 40%. وتتأثر إيران بارتفاع درجات الحرارة الذي يقلل من الرطوبة ويزيد من التبخر.
تقع إيران في منطقة شبه قاحلة، حيث تعتمد على الأنهار الموسمية والثلوج الجبلية لتزويد السدود. ففي 2025، وصلت مستويات السدود المغذية لطهرن إلى أقل من 10%، مما يهدد بـ"يوم الصفر" للمياه.
الأسباب البشرية
ومن أهمها سوء الإدارة المائية: إذ يستهلك القطاع الزراعي 90% من موارد المياه الإيرانية، معتمدًا على طرق تقليدية غير فعالة مثل الري بالغمر، الذي يهدر 60% من المياه.
كما أدى استخراج المياه الجوفية المفرط إلى انخفاض مستوى الأرض بنسبة تصل إلى 20 سم سنويًا في بعض المناطق، مما يفاقم الغبار والعواصف الرملية.
التأثيرات والتداعيات:
ويضاف إلى ذلك العقوبات الدولية التي حدت من استيراد طهران التكنولوجيا الحديثة للري الذكي، إضافة إلى سياسات الاكتفاء الذاتي الزراعي إلى زراعة محاصيل عالية الاستهلاك مثل القمح في مناطق جافة.
هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى "إفلاس مائي" في إيران، حيث يُتوقع أن ينخفض الإنتاج الزراعي بنسبة 30% في 2026، مما يهدد الأمن الغذائي لـ85 مليون نسمة.
تداعيات الجفاف في إيران:
تتجاوز تداعيات الجفاف في إيران الحدود البيئية من النقص الغذائي إلى التوترات الاجتماعية لتشمل الاقتصاد والمجتمع، حيث أدى الجفاف إلى إغلاق مصانع وفقدان ملايين الوظائف في الزراعة والصناعة. ومن أخطر التداعيات الاقتصادية انهيار الزراعة: فمعظم الأراضي الزراعية في إيران تعاني من الجفاف، مما أدى إلى خسارة 2.5 مليون هكتار من المحاصيل في 2025. هذا يرفع أسعار الغذاء بنسبة 25%، مما يفاقم التضخم الذي يصل إلى 40%.
أزمة الطاقة:
انخفاض مستويات السدود أدى إلى انقطاع الكهرباء في طهران لساعات يوميًا، مما يهدد الصناعات الثقيلة ويقلل الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5-7%.
الهجرة الداخلية:
أدت موجات الجفاف إلى فرار أكثر من 1.2 مليون شخص من المناطق الريفية إلى المدن، مما يزيد الضغط على طهران التي تضم 15 مليون نسمة، ويؤدي إلى انتشار الأمراض المائية مثل الكوليرا.

كما أدت التوترات الاجتماعية الأخيرة إلى نشوب احتجاجات في مدن مثل أصفهان وشيراز بسبب نقص المياه، مما يهدد الاستقرار السياسي، خاصة مع تزايد الشعور بالإحباط من الحكومة.
بالإضافة إلى ذلك، أدى الجفاف إلى زيادة العواصف الرملية، التي غطت طهران بطبقة غبار سميكة في أكتوبر 2025، مما أثر على الصحة العامة وزاد من حالات الربو بنسبة 15%.
مخاطر الجفاف في إيران:
تعاني إيران من تهديد وجودي يتجاوز الحدود ولا تقتصر مخاطر الجفاف في إيران على الداخل، بل تمتد إلى المحيط الإقليمي، حيث يُعتبر "قنبلة موقوتة" قد تؤجج النزاعات على المياه مع جيران مثل العراق وأفغانستان.
المخاطر الصحية:
نقص المياه النظيفة يزيد من انتشار الأمراض، مع توقعات بارتفاع حالات الإسهال بنسبة 20% في الشتاء القادم.
المخاطر البيئية:
انخفاض التربة يؤدي إلى فيضانات مفاجئة، كما حدث في 17 نوفمبر 2025، حيث تسببت أمطار غزيرة في فيضانات مدمرة بسبب عدم قدرة التربة على الامتصاص.
المخاطر الجيوسياسية:
قد يؤدي الجفاف إلى هجرة جماعية عابرة للحدود، مما يزيد التوترات مع دول الخليج، ويضعف الاقتصاد الإيراني أكثر من العقوبات.
في حال عدم التدخل، يُحذر الخبراء من "انهيار اجتماعي" بحلول 2030، مع فقدان 40% من الموارد المائية.
نقل العاصمة:
أثارت تصريحات الرئيس مسعود بزشكيان التي ادلى بها حول ضرورة نقل العاصمة من طهران جدلاً واسعًا، حيث أكد أن "نقل العاصمة من طهران أصبح ضرورة لا خيار" بسبب الازدحام، التلوث، والجفاف.
في 13 نوفمبر، حذر بزشكيان من إخلاء طهران جزئيًا إذا لم تمطر بحلول نهاية الشهر، مشيرًا إلى أن "السدود على وشك الجفاف التام".
ردود الفعل الحكومية:
أعلن وزير الطاقة أن الحكومة تدرس "خطة طوارئ للغيوم" باستخدام تقنية التلقيح السحابي لزيادة الأمطار بنسبة 15%، لكنها غير كافية.
وأكدت اللجنة البرلمانية أن نقل العاصمة سيكلف 100 مليار دولار، لكنه ضروري لتخفيف الضغط على طهران.
وعكست تلك التصريحات تحولاً في السياسة الإيرانية، حيث كانت فكرة النقل مطروحة منذ عهد الشاه، لكن الجفاف جعلها ملحة.
خيارات العاصمة البديلة:
الحكومة في يناير 2025 دراسة نقل العاصمة إلى ساحل مكران الجنوبي، وهو خيار رئيسي بسبب وفرة المياه النسبية والبعد عن الزلازل.
شملت تلك الخيارات:
ساحل مكران (جنوب إيران) وهو الاقتراح الأبرز، يشمل مدنا مثل تشابهار إذ تتميز بالوصول إلى بحر عمان للتحلية، إضافة إلى أنها أقل عرضة للجفاف.
أصفهان: مدينة تاريخية في الوسط، لها تراث مائي قوي (نهر زاينده رود)، لكنها تعاني من جفاف حالي. مناسبة للتوازن الثقافي.
شيراز: في الجنوب الغربي، غنية بالمياه النسبية والبعيدة عن الازدحام. اقترحها الرئيس السابق روحاني كمركز ثقافي.
مشهد أو قم: خيارات دينية وسياسية، لكنها أقل جاذبية بيئيًا بسبب الجفاف.
تبريز: في الشمال الغربي، قريبة من تركيا للتجارة، لكنها عرضة للزلازل.
ويُفضل الخبراء مكران كحل طويل الأمد، مع خطط لبناء مدينة ذكية تعتمد على الطاقة المتجددة لتجنب أخطاء طهران.
نحو مستقبل مستدام لإيران
يمثل الجفاف في إيران تحديًا وجوديًا يتطلب إصلاحات جذرية أهمها: تحسين الري، زيادة التحلية، ونقل العاصمة.
مع تصريحات بزشكيان الجريئة، أصبحت إيران على مفترق طرق. إذا نجحت فكرة نقل العاصمة إلى مكران أو أصفهان، قد تحول الأزمة إلى فرصة للتنمية المستدامة. ومع ذلك، بدون تعاون دولي لمواجهة تغير المناخ، قد يصبح الجفاف كارثة إقليمية. يجب على الحكومة الإيرانية الاستثمار في التكنولوجيا الخضراء لضمان أمن مائي دائم، محافظةً على تراث أمة تعرضت للجفاف منذ آلاف السنين.
































