الوثيقة
الرأي الحر

بدع الإخوان لا تنتهي.. الاستغلال السياسي للأفراح الإسلامية ومسيرات الدعاء

محمد يسري
محمد يسري

في الثمانينات والتسعينات كانت هناك ظاهرة تسمى (الأفراح الإسلامية)، وهي اختراع إخواني بحت، انخدع فيه الكثيرون، ولم ينتبهوا إلى المخالفات الشرعية الكثيرة فيه، وهذه المخالفات ليست موضوعنا الآن.

ما يهم هو كيفية توظيف هذه المناسبة الاجتماعية سياسيًا، وتحقيق مكاسب من خلالها أحيانًا كثيرة بدون علم العريس أو العروس، وأعتقد ان كثيرين ممن يقرأون هذه السطور قد شاهدوا هذه المسيرات بأنفسهم وربما شاركوا فيها بحسن نية.

يبدأ الإعداد للمسيرة بمجرد بلاغ من المسؤول المباشر عن العريس في الجماعة إلى الأعلى منه، وهكذا حتى يتم الإذن لهم من قيادات الجماعة، سواء في مكتب الإرشاد المركزي أو من ينوبون عنه في المحافظات، بتوجيه الدعوات لكل شُعب الجماعة في المدن والقرى بالمحافظات القريبة من قرية العريس أو مدينته، وتكون الدعوة بدون ذكر اسم العريس، غير المعروف إلا لمن يعيشون في دائرته.

وبعد الدعوة يأتي موعد الانطلاق بتوفير سيارات وأتوبيسات في كل قرية؛ لنقل المدعوين لفرح أو عقد قران العريس المجهول تحت زعم أنه "أخ" وينبغي تلبية دعوة "الأخوة" وعدم ردها، لأن رد الدعوة مخالفة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم!.

تنطلق السيارات والأتوبيسات بشكل فردي ولا تسير في تجمعات، وكان المسؤول عن كل سيارة أو أتوبيس يحمل في جيبه أوراقًا مختومة من أي مركز شباب، فيها أسماء المدعوين على اعتبار أنهم فريق لإحدى الألعاب الرياضية في زيارة لفعالية رياضية مسائية تقام في قرية العريس أو أية قرية أو مدينة قريبة من قريته، ويوزع المسؤول عن الأتوبيس على المدعوين معه عددًا من المنشورات التي تشمل غالبًا بعض المأثورات عن حسن البنا مؤسس الجماعة أو كتيبات صغيرة جدا عن الأفراح وكلها باسم الجماعة، وربما أيضا تتضمن كتيبات دعوية لقيادات الإخوان.

يصل الأتوبيس أو السيارة إلى المسجد الذي يقام فيه عقد القران، وكل سيارة تختار موقعًا بعيدًا عن الأخرى وربما تأتي التعليمات لعدد منها بالنزول خارج القرية أو المدينة والترجل إلى المسجد كل مجموعة من شارع مختلف حتى لا تلفت الأنظار.

تبدأ العملية بعد صلاة المغرب مباشرة، ويكون في المسجد مجموعة من مشاهير الجماعة في الإقليم، كل يلقي كلمة تتضمن في طياتها مباديء الجماعة، مغلفة بالحديث عن العرس وأهمية الزواج، من أجل تحقيق خلافة الله في الأرض وتربية الأبناء تربية "ربانية" على منهاج الإخوان، ومجموعة من القصص والعبر التي تعرض لها مُلقي الكلمة أو أحد مشاهير الجماعة مع إضافة بعض المواقف الطريفة لإضحاك الجموع التي تتوافد على المسجد.

يصل كل المدعوين إلى المسجد الذي تصل أعدادهم لعدة آلاف تدفع المسؤولين عن المسجد لاستخدام الساحات الخارجية والشوارع الجانبية، ويقترب موعد صلاة العشاء ليؤم المصلين أشهر أعضاء الجماعة في المسجد، ويتبعها عقد القران ثم يمسك الإمام الميكروفون ليدعو للعروسين "بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير" ويردد خلفه كل المدعوين في المسجد.

وتأتي بعد ذلك الفقرة الفنية داخل المسجد وتمثلها إحدى فرق الإنشاد الشهيرة للجماعة التي لم يتفق معها العريس من الأساس ولم يدفع لها مليمًأ واحدًا، فكلهم يأتون في شكل متطوعين لتهنئة "الأخ".

وتبدأ الفرقة بأنشودة تهنئة للعريس ثم تأتي بعدها الأناشيد الحماسية التي تلهب بها الجماعة مشاعر المتعاطفين معها تمهيدًا للمسيرة الكبرى في شوارع البلدة بعد انتهاء هذه الفقرة.

في خارج المسجد يبدأ منظمو المسيرة في اتخاذ مواقعهم؛ ممسكين الميكروفات وكشافات الإنارة، ويخرج العريس وتبدأ الهتافات، وترديد بعض عبارات التهنئة للعروسين، ثم تنطلق المسيرة.

ويتحول العريس في هذه اللحظة إلى شيء مجهول، لا وجود له وربما يختفي ولا يعلم عنه أحد شيئا، وسط هتافات المدعوين التي تبدأ غالبا "بنحن الإخوان الله أكبر أقسمنا يمينًا لن نهزم وكتاب الله بأيدينا...." ثم بعض الهتافات الأخرى حول المسجد الأقصى وفلسطين، ليظهر الهدف الأساسي من المسيرة التي لم يكن عقد القران سوى حجة لتجميع أكبر عدد من أنصار الجماعة وتوجيه رسالة للنظام خلال عهد مبارك بأن الجماعة موجودة في الشارع وقادرة على الحشد للضغط عليه بهدف الحصول على بعض المصالح.

لم تكن هذه المسيرات في كل عقد قران لأحد أعضاء الجماعة وإنما كانت بشكل انتقائي ومتزامنة في وقت واحد بكل المحافظات، وكانت الدولة وقتها تتجاهل هذه المسيرات حتى لا تعطي للجماعة أكبر من حجمها.

وتأتي مسيرات الدعاء التي تبناها إعلام الإخوان مؤخرا ضمن هذا الأسلوب الفاشل للجماعة، وكانت من أكبر فضائح الجماعة المتوالية، التي تستجيب لشخصيات مأجورة من إعلامي الإخوان في قطر وتركيا، والهدف هو أن ينزل أتباع الجماعة إلى الشارع؛ فتتعامل معهم أجهزة الشرطة أثناء الدعاء للمتاجرة باشتباك الشرطة مع الجموع باعتبار أن الدولة تحارب الدعاء وهو ما فطن له المصريون جميعًا والحمدلله.

رؤية دينية

ومازال الإخوان يصرون على تعليم أتباعهم تعطيل صفة السمع والبصر لله تعالى بتحريض الجهلاء على مسيرات الدعاء، فالمُصر على الدعاء الجماعي في الشوارع، إما جاهل أحمق أو أنه لا يعترف بأن الله سميع بصير فيخرج للشارع كي يراه لأن البيوت-تعالى الله عن ذلك- تحجب رؤيتهم عنه ورفعوا أصواتهم بشكل جماعي كي يُسمعوه.

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رفع الصوت بالدعاء، أو الدعاء الجماعي هكذا، كما يفعل الإخوان والمنخدعون بهم في مسيراتهم.
عن أبي موسى رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكنا إذا علونا كبرنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ولكن تدعون سميعا بصيرا ثم أتى علي وأنا أقول في نفسي لا حول ولا قوة إلا بالله فقال يا عبد الله بن قيس قل لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة أو قال ألا أدلك على كلمة هي كنز من كنوز الجنة لا حول ولا قوة إلا بالله.
(صحيح البخاري، حديث رقم: 6021)

مسيرات الدعاء الإخوان الأفراح الإسلامية كورونا الوثيقة

الرأي الحر