الوثيقة
الرأي الحر

القاعدة وزعيمها.. علاقة «حرة الهند» بمقتل الظواهري

محمد يسري
محمد يسري

تابع العالم إعلان الولايات المتحدة الأمريكية على لسان رئيسها جون بايدن نبأ مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، المختفي عن الأنظار منذ أكثر من عامين وسط أنباء تداولت عام 2020م عن وفاته. فلم يكن نبأ إعلان مقتل زعيم القاعدة على يد القوات الأمريكية بالخبر الذي يهتز له التنظيم، أو يحقق انتصارًا للأمريكان لأسباب عديدة منها:
تنظيم القاعدة وقيادته المركزية لم يعد يشكل خطورة ذات بال على المستوى العالمي، أو على المستوى المحلي، فقد فقد بريقه وهيبته منذ سنوات، وليس الآن، ظهر ذلك جليًا في تشظي التنظيم إلى جماعات تعمل بعيدًا عن القيادة المركزية في أفغانستان والتي لم يعد لها وجود هي الأخرى على الأرض إلا في صورة رمزية.
فقد أعلن أيمن الظواهري زعيم التنظيم في عام 2016م البيعة لأمير حركة طالبان الأفغانية، الملا هيبة الله آخوندزاده، الذي اُختير خليفة لسلفه الملا أختر منصور الذي لقى مصرعه في ضربة جوية أمريكية هو الآخر. وجاء إعلان الظواهر البيعة للحركة تأكيدا على أن مركزية تنظيم القاعدة باتت تحت إمرة حركة طالبان، بعد أن استجاب لرسالة قيادة الحركة بأن العمل في أفغانستان يجب أن يكون تحت إمرة حركة طالبان، وهو ما يعني أن التنظيم بات يعمل تحت وصاية الكفيل الأفغاني بعدما كان سيدًا هصورًا يصول ويجول ويأمر وينهى.
سبق ذلك تشظي الحركة في مناطق واسعة ومن آسيا وأفريقيا خاصة المناطق الرخوة سياسيًا، في العراق وسوريا وفي قلب القارة السوداء وفي شبه الجزيرة العربية، خاصة اليمن الذي لم يعد سعيدًا. فقد صارت هناك مسميات لجماعات محلية تحمل أيديولجية التنظيم ولا يربطها به تنظيميًا إلا احترام الاسم والقيادة الرمزية، فقد ظهرت في العراق سلسلة عنقودية من التنظيم انتهت بتأسيس تنظيم داعش في سوريا والعراق وانتشار خلاياه في العالم، كما ظهرت أيضا جماعات أخرى منشقة عن التنظيم في سوريا أبرزها جبهة النصرة بقيادة أبي محمد الجولاني. وفي الجزيرة العربية تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ومثلها في إفريقيا، منها ما يحمل اسم القاعدة ومنها ما اختار اسمًا آخر كحركة الشباب الصومالية وبوكو حرام وتنظيم القاعدة في الساحل والصحراء.
تشكل هذه الجماعات المنبثقة عن تنظيم القاعدة كيانات منفردة، ذات إمارة وبيعة تكاد تكون منبتة الصلة تمامًا عن تنظيم القاعدة المركزي في أفغانستان.
أما زعيم القاعدة الشيخ العجوزأيمن الظواهري، فقد بات قبل مقتله مجرد رمز للتنظيم لا يقدم ولا يؤخر، خاصة بعد اختفائه التام لأكثر من عامين، وسط أنباء عن وفاته في إيران، الملاذ السابق له، ثم ظهر في صورة باهتة خلال إبريل 2022م في سلسلة تسجيلات مرئية لا علاقة لها بالتنظيم وإدارة شؤونه وكأنه تخلى عنه.
ويبدو أن (حرة الهند) كانت السقطة التي أرشدت عن مكان الزعيم، إذ لم يكن المكان معروفًا، قبل ظهوره في تسجيل يحمل عنوان (حرة الهند) يتغزل خلاله في تلك الفتاة المسلمة ذات التسعة عشر ربيعًا التي وقفت بحجابها في وجه القوات الهندية، وكتب الظواهري فيها شعرًا، بدلًا من الحديث عن التنظيم ومشكلاته بعد غيابه الطويل، فقد كان يُنتظر من الظواهري في هذا الظهور أن يزأر ويهدد ويتوعد ويجمع أشلاء تنظيمه لكنه بدا مستسلمًا للأمر الواقع وكأنه يعلن عن مكانه ليقول لمن يريده خذوني.
ثم ظهر مرتين بعد ذلك لكنها ظل يتحدث وكأنه تحول إلى مجرد داعية يتحدث عن الأحداث الجارية في العالم ليكسب من مشاهدات فيديوهاته إلى أن جاء الأول من أغسطس لتعلن الولايات المتحده مقتله في عقر داره وبين من؟ بين رجال حركة طالبان في العاصمة كابول!!
لتقع الحركة بدورها في مأزق كبير، إذ قُتل الزعيم في بيت يمتلكه سراج حقاني وزير الداخلية في حكومة طالبان، وهو القيادي الأخطر في الحركة إذ يهيمن على الجناح المسلح من الحركة وهو شبكة حقاني ويأتي ذلك لسببين.
أولا: شبكة حقاني وفرت ملاذًا آمنًا لأيمن الظواهري زعيم القاعدة الذي تربطها به علاقات قوية قديمة، وهذا يدل على وجود فرع يخالف مصالح الحركة وعلاقاتها مع الولايات المتحدة وكذا اتفاق الدوحة.
ثانيًا: الحركة إذا كانت توافق على مستوى القيادة على إيواء الظواهري، فإن العملية تعني أن هناك خيانة داخلية على مستوى القيادة أدت إلى الإرشاد عن مكان الظواهري. ومن ناحية أخرى فإن سهولة الوصول إليه تعني عدم قدرة الحركة على حماية رجالها.
ومن هنا فقد خرقت الحركة اتفاق الدوحة ففي كل الأحوال قد وفرت الحركة الملاذ الآمن لأيمن الظواهري في عقر دار الحكم بالعاصمة كابول.
نترك طالبان ونسير مع تساؤل الساعة الذي طُرح عنوة بعد إعلان مقتل الزعيم، من يخلف الظواهري في قيادة الحركة.
كثيرون أشاروا إلى اسم بعينه، وهو القيادي المسردب صلاح الدين زيدان، المصري الملقب بسيف العدل، نعم هو شخصية بارزة، لها تاريخها في الحركة، لكن أين سيف العدل منذ 10 سنوات، وما هو نشاطه، وما هو سلطانه على عناصر التنظيم المركزي أو فروعه المنتشرة في آسيا وأفريقيا.
إن الحديث عن اختيار زعيم لتنظيم القاعدة، في هذه الفترة يظل مجرد اجتهادات مشكورة من الباحثين والمختصين في الإسلام السياسي، لكنه يظل طرحًا سابقًا لأوانه لأن التنظيم نفسه بات مهلهلا لا يستطيع اختيار القائد بسهولة.

أيمن الظواهري تنظيم القاعدة طالبان محمد يسري أفغانستان سوريا اسيا افريقيا الوثيقة

الرأي الحر