دكتورة فاتن فتحي تكتب.. بين غياب الوعي المجتمعي ومعاناة القائمين به... التمريض المنزلي في خطر !!


بين غياب الوعي المجتمعي ومعاناة القائمين به... التمريض المنزلي في خطر !!
بقلم :دكتورة فاتن فتحي
هناك غياب كبير للوعى المجتمعي بأهمية التمريض المنزلي في دعم المرضى وأسرهم، وتخفيف العب عن منظومة الصحة العامة، ومطلوب برامج تدريب حديثة لكوادره وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي فى الرعاية والعلاج.
تزداد الحاجة في العالم اليوم إلى نشر ثقافة التمريض المنزلي بوصفه أحد أعمدة الرعاية الصحية الحديثة ليس للمريض فقط بل للأسرة والمجتمع بأكمله حيث يتيح هذا النمط من الرعاية تلقي العلاج والخدمات الطبية المتخصصة في بيئة مألوفة وآمنة داخل المنزل مما يخفف الضغوط النفسية على المريض ويعزز فرص الشفاء ويحد من مخاطر العدوى التي قد يتعرض لها في المستشفيات فقد أثبتت الدراسات أن العلاج المنزلي يقلل احتمالية الإصابة بالعدوى بنسبة تصل إلى أربعين بالمائة مقارنة بالرعاية داخل المرافق الطبية كما يساهم في تحسين السيطرة على الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم من خلال المتابعة المستمرة والتعليم الصحي ما ينعكس على انخفاض معدلات التدهور الصحي وتقليل الحاجة لدخول المستشفيات وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن الرعاية المنزلية تلعب دورا محوريا في دعم المرضى كبار السن وذوي الإعاقات والمرضى بعد العمليات الجراحية حيث توفر بيئة علاجية أقل تكلفة وأكثر ملاءمة للاحتياجات الفردية.
وعلى المستوى الاقتصادي فإن التمريض المنزلي يمثل أداة فعالة لتخفيف العبء عن الأنظمة الصحية والأسر حيث تشير الأبحاث إلى أن تكلفته أقل بنسبة تتراوح بين عشرة وأربعين بالمائة مقارنة بالرعاية داخل المستشفيات وقد سجلت نماذج عالمية مثل برنامج الرعاية المنزلية في سويسرا وفورات تصل إلى ثلاثة آلاف فرنك لكل حالة كما أوضح برنامج CAPABLE في الولايات المتحدة أن الدمج بين الممرضين والمعالجين وأخصائي تعديل بيئة المنزل وفر عشرين ألف دولار لكل مريض خلال عامين إلى جانب تحسين قدرته على الحركة والاعتماد على نفسه وفي كندا أسهم برنامج الرعاية المنزلية المعتمد على التكنولوجيا في خفض زيارات الطوارئ بنسبة اثنين وسبعين بالمائة وخفض دخول المستشفيات بنسبة خمسة وستين بالمائة مما يعكس الأثر الإيجابي لهذا النوع من الخدمات على النظام الصحي.
هذا النوع من الرعاية لا يحقق مكاسب مالية فقط بل ينعكس إيجابًا على الصحة العامة للمجتمع عبر تقليل معدلات التنويم وإعادة الدخول إلى المستشفيات إذ أظهرت مراجعات بحثية أن زيارات التمريض المنزلي تقلل من أعداد الحالات المحولة للطوارئ وتخفف الضغط على البنية التحتية الصحية وفي الوقت ذاته تزيد معدلات الرضا لدى المرضى حيث وصلت في بعض الدراسات إلى تسعة وثمانين بالمائة من المستفيدين كما أن المريض في منزله يحظى بدعم أسري مباشر ويسير في رحلة التعافي بوتيرة أكثر استقرارا وأقل توترا مقارنة بالبيئة الطبية التقليدية.
التكنولوجيا عززت أيضًا من قيمة التمريض المنزلي خاصة من خلال المراقبة الصحية عن بعد التي تتيح الكشف المبكر عن المشكلات قبل تفاقمها مثل مراقبة المؤشرات الحيوية لكبار السن أو مرضى القلب أو متابعة حالات ما بعد الجراحة وهو ما يتيح التدخل السريع ويقلل الحاجة للإسعاف الفوري وتؤكد الدراسات أن الاستثمار في الرعاية المنزلية المدعومة بالتقنيات الحديثة يحقق وفورات للنظام الصحي قد تصل إلى مليارات الدولارات سنويا في الدول الكبرى.
لكن رغم هذه الفوائد الكبيرة ما زال التمريض المنزلي يواجه تحديات مثل نقص الكوادر المؤهلة وارتفاع معدلات دوران العاملين التي وصلت في بعض الدول إلى أكثر من أربعة وستين بالمائة سنويًا إلى جانب غياب التشريعات الصارمة في بعض المناطق وضعف التغطية التأمينية لهذه الخدمات مما يحد من انتشارها بشكل واسع كما أن بعض الأسر لا تزال تفتقر للوعي الكافي بأهمية هذا النوع من الرعاية أو تعتقد خطأ أنه أقل كفاءة من المستشفيات وهو تصور يحتاج إلى تغيير من خلال حملات تثقيفية موجهة.
ولذلك فإن تثقيف المجتمع والأسر بأهمية هذه الخدمة أصبح ضرورة ملحة ويتطلب استراتيجيات شاملة تبدأ من الحملات الإعلامية التي تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى فئات واسعة مرورًا بتنظيم ورش العمل واللقاءات المجتمعية لشرح فوائد التمريض المنزلي وإزالة المفاهيم المغلوطة وانتهاءً بإدماج هذا المجال في المناهج الدراسية لتخريج كوادر مؤهلة كما يجب إشراك صناع القرار في دعم سياسات تزيد من تغطية التأمين لهذه الخدمات وتشجع على الاستثمار فيها بما يضمن استدامتها وانتشارها وتبني نماذج محلية ناجحة تعكس الواقع الثقافي والاجتماعي للمجتمع.
إن التمريض المنزلي ليس مجرد خيار بديل عن المستشفى بل هو نموذج متكامل للرعاية يحقق التوازن بين جودة العلاج وراحة المريض ويعزز الصحة العامة ويوفر الموارد ويجعل من المنزل مكانًا للعلاج والشفاء والطمأنينة في آن واحد وهو خيار يحتاج أن يتحول إلى ثقافة راسخة لدى المجتمع لضمان مستقبل صحي أكثر أمانا واستدامة.