الوثيقة
نجيب ساويرس: الحد الأدنى للأجور يجب أن يتراوح بين ١٤- ١٥ ألف جنيهتغيّرات مناخية وطبيعية ملحوظة في مصر: حرارة أعلى، شتاء متقلب، وجدَل حول الأعاصير والزلازلمالك السعيد المحامي يكتب: ملف الميراث في مصر.. ثروات معلقة وصراعات عائلية تبحث عن محاكم متخصصة لقضايا التركاتأفضل مطاعم الكشري المصرية عالميًا… حين يتحول الطبق الشعبي إلى علامة ثقافيةلحماية نفسك من النصب.. محام يكشف 5 إجراءات ضرورية عند التعامل مع الشيكات على بياضهل الطفل يوسف ضحية حادث الغرق كان يتناول المنشطات؟.. محام يُجيبمحام: عقوبات تصل إلى 6 سنوات سجن تنتظر المتورطين في جناية قتل خطأ الطفل يوسفمحام: حادث غرق الطفل يوسف اكتملت فيه أركان الجناية القانونيةبعد إعلان اليونسكو: طريقة عمل الكشري المصري في البيت خطوة بخطوةكارثة عالمية..الهند تكشف مليون شهادة تعليمية مزيفةمحافظ المنيا يطلق مبادرة عيون اولادناعمال ”جاسكو” يرفضون إيقاف رئيسهم رابح عسل ويؤكدون على استقلال النقابة
الرأي الحر

مالك السعيد المحامي يكتب: ملف الميراث في مصر.. ثروات معلقة وصراعات عائلية تبحث عن محاكم متخصصة لقضايا التركات

مالك السعيد المحامي
مالك السعيد المحامي


ملف الميراث في مصر يمثل أحد أكثر القضايا تعقيدًا وتشابكًا داخل المنظومة الاجتماعية والقانونية، فهو لا يرتبط فقط بتوزيع الأموال بين الورثة، بل يبدأ بحصر التركة وإثبات الورثة واستخراج إعلام الوراثة ثم تسوية الديون وتنفيذ الوصايا وتقسيم العقارات والممتلكات وتقدير قيمتها، ما يجعل القضية الواحدة تمر عبر أكثر من دائرة قضائية داخل منظومة القضاء، بين محاكم الأسرة والمدني والعقاري والتجاري، وهو ما يؤدي إلى إطالة زمن التقاضي وتأخير حصول الورثة على حقوقهم وتجميد الأموال والممتلكات لسنوات طويلة، بما ينتج عنه أزمات اجتماعية واقتصادية حقيقية داخل الأسرة المصرية. وفق بيانات وزارة العدل، يقدر عدد دعاوى الميراث سنويًا بأكثر من 120 ألف قضية، منها نحو 40% تتعلق بممتلكات عقارية، و30% بقضايا ديون متداخلة، بينما تصل مدة التقاضي في بعض القضايا المعقدة إلى 18 شهرًا في المتوسط، وتصل في حالات التداخل بين العقارات المتعددة والوصايا المعقدة إلى أكثر من 3 سنوات، ما يؤثر مباشرة على السيولة المالية للأسر ويمثل ضغطًا على الجهاز القضائي.
ورغم وجود قانون المواريث الذي يحدد نصيب كل وارث بوضوح، فإن غياب محكمة متخصصة في قضايا التركات يخلق ازدواجية في الإجراءات ويجعل كل نزاع تابعًا لطبيعة المال محل الخلاف، وهو ما يضاعف الجلسات القضائية وتعدد المسارات بين القضاء والجهات التنفيذية، خاصة في القضايا التي تتضمن عقارات متعددة أو وصايا متداخلة أو نزاعات حول ملكية ممتلكات ثابتة أو منقولة.
كما أن القضايا التي تحتاج إلى خبراء ومثمنين عقاريين تزيد من طول أمد التقاضي وقد تمتد لسنة أو أكثر، وهو ما ينعكس مباشرة على العلاقات الأسرية ويحول النزاعات المالية إلى خلافات اجتماعية تمس صلة الرحم وتخلق خصومات حادة بين الأشقاء وأبناء العمومة، علاوة على تجميد رأس المال وتعطيل استثماره، إذ تشير بيانات اتحاد المستثمرين المصريين إلى أن نحو 15% من العقارات المسجلة باسم الورثة تبقى مجمدة سنويًا بدون بيع أو تقسيم، كما تبقى الأسهم البنكية أو التجارية بلا تصرف، ما يعني رأس مال معطل يقدر بحوالي 25 مليار جنيه مصري سنويًا، يقلل السيولة داخل الأسر ويحرم الاقتصاد من أصول يمكن إدخالها في الدورة الاستثمارية، بينما يؤدي طول التقاضي إلى زيادة التكلفة على الورثة من حيث أتعاب المحاماة والخبراء والرسوم القضائية، والتي تصل في المتوسط إلى 7% من قيمة التركة لكل قضية.
وفي المقابل تظهر تجارب دول عربية وأجنبية نجحت في إنشاء محاكم متخصصة للتركات، حيث تم توحيد الإجراءات وحُصرت جميع القضايا في مظلة قضائية واحدة تجمع حصر التركة وتحديد الورثة وتصنيف الديون وتنفيذ الوصايا وتقسيم الممتلكات وإصدار الصكوك القانونية اللازمة، ما ساهم في تقليص النزاعات العائلية وتحويل جزء كبير من الملفات إلى تسويات ودية داخل المحكمة قبل الوصول إلى مرحلة التقاضي. في المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، تم إنشاء محاكم مختصة بالمواريث منذ 2012، أسهمت في تقليص متوسط زمن الفصل في القضايا من 24 شهرًا إلى 9 أشهر، بينما في الأردن نجحت المحاكم المتخصصة منذ 2015 في خفض النزاعات العائلية بنسبة 35% سنويًا، كما ساهمت تلك المحاكم في حماية حقوق القُصر والغائبين من خلال رقابة قضائية مباشرة على توزيع التركة وضمان وصول الحقوق لأصحابها وفق القانون، إلى جانب تعيين خبراء متخصصين في تقييم الأصول العقارية والمالية وتوحيد آليات التقدير وضبطها، ما يضمن الشفافية والعدالة. ومن ثم يظهر أن الحل الأمثل داخل مصر يتمثل في إنشاء محاكم نوعية متخصصة داخل هيكل القضاء المصري.
حيث تتولى حصريًا نظر جميع دعاوى التركات والميراث، مع تعديل تشريعي يمنح هذه المحاكم الاختصاص الكامل في إصدار إعلامات الوراثة وحصر التركة وتنفيذ الوصايا وتسوية الديون وتقسيم العقارات والأموال، وتدريب قضاة متخصصين في هذا النوع من القضايا وتعيين خبراء معتمدين لتقييم الأصول، مع تطوير إجراءات مبسطة لتقديم المستندات واعتماد نظام تسوية ودية إلزامية قبل التقاضي لتخفيف العبء عن المحاكم وضمان تقليل النزاعات.
إضافة إلى ماسبق يستلزم وضع آليات رقابية على حماية حقوق القُصر وضمان التوزيع العادل للتركة، وبذلك يتحقق الهدف الاقتصادي والاجتماعي والقانوني من إنشاء محاكم التركات في مصر. وفق تقديرات خبراء الاقتصاد القانوني، فإن تفعيل مثل هذه المحاكم يمكن أن يحرك أصولًا مجمدة بقيمة تصل إلى 50 مليار جنيه سنويًا ويخفض النزاعات العائلية بنسبة تصل إلى 40% خلال أول 5 سنوات من التطبيق، فوجود هذه المحاكم ليس رفاهية تنظيمية بل ضرورة مجتمعية تساعد على الحفاظ على العلاقات الأسرية وتحريك رأس المال المجمد ودعم الاقتصاد الوطني وتطبيق العدالة على نحو متخصص وسريع يضمن حقوق الجميع.
يظهر مطلب إنشاء محاكم متخصصة في التركات باعتباره المدخل التنظيمي الأهم لمعالجة التعقيدات المرتبطة بقضايا الميراث، من خلال إقرار قانون يمنح هذه المحاكم اختصاصًا نوعيًا للنظر في جميع دعاوى المواريث داخل هيكل القضاء المصري، بما يشمل حصر التركة وإثبات الورثة وتسوية الديون وتنفيذ الوصايا وتقسيم الممتلكات وإصدار الصكوك القانونية اللازمة، مع وضع منظومة تدريبية متخصصة للقضاة في مجال التركات وتعيين خبراء معتمدين لتقييم الأصول وتحديد قيمتها .
وذلك بما يضمن تسريع عملية الفصل في النزاعات وتعزيز النزاهة والشفافية في التعامل مع الأموال المتنازع عليها، إلى جانب اعتماد إجراءات مبسطة لحصر التركة وإعلام الورثة تستند إلى اشتراطات واضحة للمستندات المطلوبة بحيث تقلل من زمن التقاضي وتمنح الورثة قدرة مباشرة على تقديم بياناتهم دون تعقيد، إضافة إلى تبني مرحلة تسوية ودية إلزامية داخل المحكمة قبل الانتقال إلى التقاضي، بما يخفف الضغط على المنظومة القضائية ويساهم في احتواء النزاعات داخل دائرة التفاوض القضائي المنظم بدلًا من تصعيدها إلى ساحات التقاضي المطوّل، وهو ما يعزز حفظ العلاقات الأسرية ويقلل احتمالات تفاقم الخلافات.
ويمثل تعزيز حماية حقوق القصر والغائبين أحد أهم الأركان التي تقوم عليها فكرة محاكم التركات المتخصصة، إذ تمنح هذه المحاكم إحاطة قضائية مباشرة بالملف كاملًا لضمان وصول الحقوق إلى أصحابها وتوزيع التركات بصورة عادلة وفق أحكام القانون، مع رقابة مهنية على جميع خطوات التسوية والتوزيع تمنع أي تجاوز أو تلاعب محتمل، ومع تفعيل هذه المنظومة يصبح إنشاء محاكم التركات في مصر ضرورة قانونية واجتماعية واقتصادية وليست مجرد فكرة تنظيمية، فهو مسار يعزز استقرار العلاقات داخل الأسرة ويعيد دمج الأصول المجمدة في الاقتصاد ويحمي حقوق الورثة من نزاعات ممتدة، وبذلك تنتقل قضايا الميراث من دائرة التعقيد والتشتت إلى دائرة تنظيم موحدة تضمن العدالة وسرعة الفصل وتدعم الاقتصاد الوطني على أساس قانوني دقيق.

الرأي الحر

الفيديو