الوثيقة
د. حماد الرمحي يكتب: هل تدعم الدول المتقدمة الصحافة والإعلام؟جمال الخضري: “إيديكس 2025” يعزز مكانة مصر العالمية ويؤكد ريادتها في الصناعات الدفاعيةستاربكس تدفع 38.9 مليون دولار لتسوية مخالفات قانون العمل في نيويوركفيديو.. أشرف إسماعيل يكشف أسباب انهيار سقف الجراج على سيارة شيماء سعيدآخرهم بيونسيه وسابرينا.. مطربون أمريكيون يتهمون ترامب بسرقة أعمالهم الفنيةمهران يكشف تفاصيل مثيرة حول صاحب القناع في قضية أطفال مدرسة ”سيدز”تساؤلات حول عدم رد الطبيب الشاب محمد المغربي على الجدل المثار حول صورتهنهاد أبو القمصان تكشف مشروعية تحليل المياه المعدنية ولماذا حفظ التحقيقمصر تتعادل مع الكويت بهدف لكل فريق في افتتاحية كأس العربانفراد: بالمستندات.. نكشف سبب إنهاء خدمة الأستاذ المفصول من العمل بجامعة حلوانسامح حسين يرد على شائعات تعيينه بجامعة حلوانخسارة حادة في عيار 21.. تراجع أسعار الذهب محليًا وعالميًا اليوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025
الرأي الحر

د. حماد الرمحي يكتب: هل تدعم الدول المتقدمة الصحافة والإعلام؟

د. حماد الرمحي
د. حماد الرمحي

في الحلقتين السابقتين من هذه الدراسة الميدانية التي قمنا بها حول أحوال وأجور الصحفيين في مصر، كشفنا جانبًا من الكلفة الإنسانية والمهنية لأزمة الأجور في الصحافة المصرية؛ فرصدت الحلقة الأولى واقعًا مريرًا أطاح بأكثر من 30% من الصحفيين تحت خطّ الفقر، فيما وضعتنا الحلقة الثانية أمام مرآة قاسية، حين أظهرت الأرقام أن ما يتقاضاه الصحفي الأمريكي في شهر واحد يعادل ما يحصل عليه الصحفي المصري في أربع سنوات كاملة.
وفي حلقة اليوم، ننتقل من تشريح الجُرح إلى النظر في تجارب الآخرين؛ من سؤال «كم نخسر؟» إلى سؤال أكثر جوهرية: «كيف تفكر الدول المتقدمة في الإعلام… وهل تعتبره عبئًا على الموازنة أم استثمارًا في وعي المجتمع؟».
وللإجابة على هذا السؤال، كان حتماً علينا مراجعة العديد من الموازنات الرسمية، وصناديق التمويل والتقارير الدولية، وإحصاءات رسمية منشورة، لترسم الأرقام ملامح خريطة الدعم العالمي للصحافة والإعلام.
والخلاصة الكبرى التي كشفته هذه الأرقام والإحصائيات، أن معظم الدول المتقدمة تدعم الإعلام دعمًا منتظمًا ومؤسَّسيًّا، وأن هذا الدعم ليس «منحة عابرة» ولا «رشوة بيضاء» لتلميع صورة السلطة، بل قرار سياسي واقتصادي واعٍ ينطلق من عدة قناعات رئيسية:
أولها: أن الإعلام ركيزة من ركائز الأمن القومي و«الأمن المعرفي» للمجتمع، وأن وجود منصّات مستقلة قادرة على إنتاج معلومات متنوّعة وموثوقة ليس رفاهية ديمقراطية، بل حقّ دستوري للمواطن، وأن كل دعم يوجه للإعلام الجاد، وكل جنيه يُنفق على الصحفي، هو في جوهره استثمار في بناء وعي المواطنين، وتحصين لمناعة الدولة ضد الشائعات والفساد واستغلال الجهل والأمية، واستثمار في استقرار النظام الديمقراطي والاقتصاد الوطني على السواء.
وفي المقابل تُظهر التجارب المريرة أن ترك الصحافة بلا دعم، وترك الصحفي تحت خطّ الفقر، يهدد جودة المحتوى، ويُضعف استقلاله، ويفتح الباب واسعًا أمام هيمنة رأس المال النفعي والدعاية السوداء المغلّفة في ثوب الأخبار، وتتحوّل غرف الأخبار من مساحة لفرز الحقائق إلى ساحة لـ«تجار الأخبار» ومن خطّ دفاع أول عن المجتمع إلى ثغرة في جدار الأمن القومي للبلاد، تُساهم في تآكل الثقة العامة، وتُغذّي الضجيج، والاستقطاب، وسقوط المعايير المهنية.
ومن هذا المنطلق رصدت الدراسة ثلاثة أنماط من الدعم، تتفاوت من بلد إلى آخر، لكنها تلتقي عند هدف واحد وهو حماية التعدّدية وضمان بقاء صحافة حرة قادرة على البقاء والاستمرار.
أولًا: الدعم المالي المباشر للمؤسسات الصحفية والإعلامية، وتأتي فرنسا في مقدمة هذا النموذج، حيث رصدت في عام واحد فقط (2023) نحو 204.7 مليون يورو «مساعدات مباشرة للصحافة» استفاد منها أكثر من 800 عنوان، إضافة إلى حوالي 26.5 مليون يورو سنويًّا لدعم نقل الصحف وتوزيعها عبر البريد، وتشير تقديرات أخرى إلى أن مجموع ما تتلقّاه الصحافة الفرنسية من دعم مباشر وغير مباشر يتجاوز 400 مليون يورو سنوياً.
وفي الدول الإسكندنافية تحوّل الدعم إلى سياسة راسخة لا استثناء طارئًا؛ فالنرويج خصّصت عام 2021 نحو 444 مليون كرونة نرويجية (قرابة 46 مليون يورو) لدعم الصحف، بينما بلغت الإعانات المباشرة للصحافة السويدية نحو 61 مليون يورو في 2019، إلى جانب حزم خاصة لدعم التحوّل الرقمي.
ولا يقف الدعم عند حدود الصحف الكبرى؛ بل تمتد السياسات هناك إلى صناديق متخصّصة لدعم الصحافة المحلية و«الصحف الثانية» في المدن والأقاليم، حتى لا تُحتكَر الساحة لصوت واحد ولا تتحوّل الخريطة الإعلامية إلى ملكية شبه احتكارية، ولهذا رصدت بعض هذه الدول ما بين 0.1 و0.2% من الناتج المحلي الإجمالي لدعم الإعلام؛ كما في النموذج الدنماركي الذي يُنفق قرابة 500 مليون كرونة دانمركية سنويًّا (نحو 80 مليون دولار) دعمًا مباشرًا لوسائل الإعلام الخاصة، إضافة إلى ما يقترب منها في صورة إعفاءات ضريبية وتمويل سخي لهيئات البث العام.
أما النوع الثاني من الدعم الذي تقدمه الدول الغربية للمؤسسات الصحفية والإعلامية، فهو لا يقل أثرًا عن الدعم النقدي المباشر؛ وهو الإعفاءات والتيسيرات الضريبية والجمركية ورسوم التراخيص والتصاريح، ففي عدد كبير من الدول الأوروبية ومنها ألمانيا وفرنسا ودول الشمال تُخفَّض أو تُلغى ضريبة القيمة المضافة على الصحف والكتب، وتُخفَّف رسوم البريد والتوزيع، وتُمنح حوافز ضريبية للمؤسسات التي تستثمر في المحتوى الإخباري أو توظّف صحفيين جدد.
أما النموذج الكندي فيقدم صورة واضحة؛ إذ تخطّط الحكومة الفيدرالية لإنفاق نحو 325 مليون دولار كندي في عامي 2024–2025 لدعم الإعلام الإخباري، موزَّعة بين صندوق للإعلام الكندي، وصندوق للدوريات، وائتمان ضريبي لأجور الصحفيين يقترب من 65 مليون دولار كندي، فضلًا عن برنامج «مبادرة الصحافة المحلية» الذي يمول وظائف صحفية جديدة في المناطق المهمّشة إعلاميًّا حتى لا تبقى مجتمعات كاملة بلا صوت وبلا منبر.
أما النموذج الثالث فهو لا يظهر في جداول الأرقام لكنه حاضر بقوة في بيئة العمل وهو «الدعم غير المادي» المتمثل في خلق بيئة حاضنة لصناعة الإعلام، من قوانين وتراخيص وحوافز استثمارية وبنى تحتية داعمة لبيئة الصحفيين.
ففي الإمارات تم بناء نموذج متكامل للمناطق الإعلامية الحرة في دبي وأبوظبي؛ حيث يحصل المستثمر الإعلامي على إعفاءات ضريبية كاملة، وملكية أجنبية 100%، وتسهيلات واسعة في التراخيص والإقامة، مع برامج حوافز للإنتاج السمعي–البصري تصل إلى استرداد نقدي بنسبة 30–35% من الإنفاق المؤهّل على الأفلام والمسلسلات والإعلانات وقد حدّد «مجلس دبي للإعلام» هدفًا واضحًا بمضاعفة مساهمة القطاع في الناتج المحلي لإمارة دبي من نحو 1.4% إلى 3% بحلول 2033، في رسالة صريحة بأن الإعلام هنا يُعامَل بوصفه قطاعًا اقتصاديًّا واعدًا لا مجرد أداة ترفيه أو تزيين.
وفي السعودية يُستثمر في البنية البشرية للقطاع عبر إنشاء أكاديميات متخصّصة لتدريب الصحفيين والإعلاميين، ضمن رؤية تعتبر الإعلام جزءًا أساسيًّا من الصناعات الإبداعية المرشّحة للمساهمة في التنويع الاقتصادي، لا سيما في ظل رؤية 2030 التي تفتح المجال أمام محتوى نوعي وشبكات إقليمية وعالمية جديدة.
وعلى مستوى الإعلام العام الخدمي، تُعامَل هيئات كبرى في الدول الديمقراطية بوصفها بنية تحتية لا غنى عنها للديمقراطية، ففي المملكة المتحدة، يقوم تمويل هيئة الإذاعة البريطانية BBC أساسًا على رسم ترخيص التلفزيون الذي يبلغ حاليًّا حوالي 169.5 جنيهًا إسترلينيًّا سنويًّا لكل أسرة، وهو ما يوفّر جزءًا مهمًّا من موازنة الهيئة التي تدير شبكة واسعة من القنوات والإذاعات، وتشتري محتوى من مئات شركات الإنتاج المستقلة؛ بما يعني دعمًا غير مباشر لآلاف الوظائف في صناعة الإعلام ككل.
وفي الولايات المتحدة، ورغم هيمنة منطق السوق، يظل «صندوق الإعلام العام» المتمثّل في مؤسسة CPB يتلقى تمويلًا فدراليًّا يقارب 525 مليون دولار في 2024، يرتفع إلى نحو 535 مليونًا في 2025، لتأمين استمرار شبكات PBS وNPR وعشرات المحطات المحلية، خصوصًا في المناطق الريفية والفقيرة التي لا تراها عيون الإعلانات التجارية.
ولم يتوقف الدعم عند حدود المباني والشركات، بل يمتد إلى الصحفي نفسه؛ عبر برامج تتحمّل فيها الدولة جزءًا من تكلفة الأجور، أو تموِّل وظائف جديدة في الصحافة المحلية، أو تمنح الصحفيين زمالات ومنح تفرّغ للتحقيقات الاستقصائية الطويلة، إلى جانب إدماجهم في شبكات أمان اجتماعي خاصّة بقطاع الثقافة والإعلام، كما حدث في عدد من الدول الأوروبية خلال جائحة كورونا حين اعتُبر الصحفيون جزءًا من «العمالة الحيوية» التي لا يجوز تركها تسقط بلا حماية.
وعلى مستوى صناعة النشر، توفّر دول عديدة في أوروبا الشمالية منحًا لطباعة الصحف والكتب ذات «المصلحة العامة» أو المحتوى الثقافي المتعلق بالأقليات واللغات الصغيرة، إلى جانب شبكة واسعة من المكتبات العامة والجامعية التي تشتري الكتب والصحف والمجلات بشكل دوري، فتخلق بذلك سوقًا ثابتة لجزء معتبر من إنتاج دور النشر والمجلات المتخصّصة، وتحمي تنوّع الأصوات من منطق العرض والطلب البحت.
والخلاصة التي توصلت إليها الدراسة، أن هذه الدول لا تترك الإعلام وحيدًا في مواجهة السوق، بل تعتبره استثمارًا في العقل الجمعي، وشرطًا من شروط استقرار الدولة الحديثة، وحقًّا أصيلًا للمجتمع قبل أن يكون مصلحة لمهنة الصحافة نفسها.
وفي الحلقة القادمة نناقش بالأرقام والإحصائيات الشق الثاني من السؤال الحائر: هل تدعم الحكومة المصرية قطاع الصحافة والإعلام في مصر؟
فانتظروني...

اقتصاديات الإعلام تمويل الصحف أجور الصحفيين الأمن المعرفي الوثيقة

الرأي الحر

الفيديو